217
مختصر تفسير القمّي

اُخرى، فاستقوا وشربوا، وقال: «هذه بلاد ملعونة، مخسوف بها، وهو قوله: «كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ»...الآية ۱ ، وهي هذه البلاد».
[ ۱۱۷ ] وقد كان تخلّف عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قوم من المنافقين، وقوم من المؤمنين مستبصرين، منهم: كعب بن مالك الشاعر، ومرارة بن الربيع، وهلال بن اُميّة الواقفي ۲ . فلمّا وافى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أقبلوا يهنّئونه بالسلامة، وسلّموا عليه، فلم يردّ عليهم السلام، وأعرض عنهم، قال مالك: سلّمنا على إخواننا فلم يردّوا علينا السلام، فجاء نسائهم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقلن: قد بلغنا سخطك على أزواجنا، أ فنعتزلهم؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «لا، ولكن لا يقربوكنّ».
فخرجوا إلى الجبل، فقالوا: لا نزال فيه حتّى يتوب اللَّه علينا أو نموت. فخرجوا إلى ذناب ۳ جبل بالمدينة، فكانوا يصومون، وكان أهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية، ثمّ يولّون عنهم فلا يكلّمونهم، فبقوا على هذا أيّاماً كثيرة يبكون بالليل والنهار، ويدعون اللَّه أن يغفر لهم. فلمّا طال عليهم الأمر، قال لهم كعب: يا قوم، قد سخط اللَّه علينا ورسوله، وقد سخط علينا أهلونا وإخواننا، فلا يكلّمنا أحد، فلم لا يسخط بعضنا على بعض؟
فتفرّقوا في الجبل ۴ ، وحلفوا أن لا يكلّم أحد منهم صاحبه حتّى يموت أو يتوب اللَّه عليه، فبقوا على ذلك ثلاثة أيّام، وكلّ واحد منهم في ناحية من الجبل، لا يرى أحد منهم صاحبه ولا يكلّمه، فلمّا كان في الليلة الثالثة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في بيت اُمّ سلمة نزلت توبتهم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. وهي قوله: «لَقَد تَابَ اللّهُ»...الآية، وإنّما هي: (لَقَد تَابَ اللّهُ) بالنَّبِىِّ عَلَى (الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِمَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) أي: لمّا تابوا، وهم: أبوذرّ وأبو خثيمة وعمر

1.الحجر (۱۵): ۸۰.

2.في «ط»: «الرافعي» وهو تصحيف، وصوابه ما في المتن، نسبة إلى بني واقف، بطن من الأوس، اُنظر: اُسد الغابة، ج ۵، ص ۶۶؛ والأنساب للسمعاني، ج ۵، ص ۵۶۷.

3.وفي بعض النسخ: «ذباب» و هو اسم جبل بالمدينة، و الذناب من كلّ شي‏ء: عقبه ومؤخّره. أقرب الموارد، ج ۱، ص ۳۷۴ (ذنب).

4.في «ط»: «في الليل».


مختصر تفسير القمّي
216

فلمّا ورد عليه الكتاب، أشفق من محاربته، وكتب إليه كتاباً لطيفاً، وسأله الانصراف سنته حتّى يداري أهل دينه ويكتب إلى قيصر، وبعث إليه بهدايا.
فأقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أيّاماً يبعث بالسرايا، فربما جاءوا بالإبل والغنم، وبعث خالد بن الوليد في أربعمائة وعشرين فارساً ۱ إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل، وكان له حصن حصين، فقال خالد: يا رسول اللَّه، كيف لي بأكيدر في حصنه؟
فقال له: إنّك تجده يصيد البقر.
فخرج خالد حتّى إذا أتى دومة الجندل، فكمن له، فخرج أكيدر وأخوه حسّان ليصيدوا البقر، فخرج إليهم خالد بن الوليد، فأسر أكيدر وقَتل حسّان وهرب الباقون، وأقبل خالد إلى باب الحصن، فلم يفتحوا له الباب، فقال خالد: سلهم أن يفتحوا الباب.
قال: لا يفتحونه ولو قتلتني، لكن اُصالحك على ألفي ألف بعير، وثمانمائة رأس من الغنم، وأربع مائة درع، وأربعمائة سيف، وألفي حلّة. فقبل خالد، فدفعها إليه، فلمّا أعطاه ما شرط له حمله خالد إلى رسول اللَّه، فلمّا وافاه دعاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى الإسلام، فأسلم، وكتب له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله كتاباً. ۲
وبقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بتبوك وأصاب الناس جهد شديد وأرملوا، وذهبت أزوادهم، فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بنطع فبسط، وقال: «من كان عنده شي‏ء فليأت به» فكان الرجل يأتي بنصف صاع من تمر أو شي‏ء من دقيق أو سويق، حتّى كان الرجل يأتي بكفّ ممّا عنده، فكان يجعل كلّ صنف منها على حده، ثمّ وضع يده على شي‏ء شي‏ء، ثمّ ألقى عليه ملاءة، ثمّ نادى: «من أراد الزاد فليحضر» فأقبل الناس يأخذون ما يحتاجون إليه من الدقيق والسويق والتمر، حتّى أخذ جميع أهل العسكر.
فلمّا نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله الحجر، استسقى الناس من ماء بئرها، وعجنوا منه، وطبخوا وتوضّأوا، فنادى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «لا تتهيّئوا بهذا الماء للصلاة، ولا تشربوا منه، ولا تسقوا ركابكم، ولا تعجنوا منه، ولا تطبخوا به، ومن عجن فليعلفه راحلته، وليصبّ الطبيخ»، فأكفأ الناس قدورهم، وصبّوا ما كان في أوعيتهم، وتحوّل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى بئر

1.في «ب» و «ج»: «رجلاً».

2.وقد ذكر قصّته المتقي الهندي في كنز العمال، ج ۱۰، ص ۵۸۷، ح ۳۰۳۸۰ من مسند ابن عباس، فراجع.

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 82017
صفحه از 611
پرینت  ارسال به