199
مختصر تفسير القمّي

فقال أبو سفيان ذلك، فوقف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وقفة، وقال الكلام واستعبر، ثمّ قال: «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ» ۱، فأقبل الناس يهنّئونه بالمغفرة، فسار أبو سفيان مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.
فلمّا كان يوم حنين لم يثبت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أحد غيره، هو والعبّاس، هذا عن يمينه وهذا عن يساره.
أقول: في هذا الإطلاق تسامح؛ فإنّ اللذين ثبتوا معه كانوا تسعة أنفس، ثمانية من بني هاشم ؛ منهم: أمير المؤمنين مقدام الكلّ يذبّ عن الكلّ، وأيمن بن اُمّ أيمن، وقتل في ذلك اليوم.
وكان العبّاس إذا نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بلداً ركب بغلة رسول اللَّه [فلمّا نزل رسول اللَّه مرّ الظهران ۲ ، وقد غُمّت الأخبار ۳ عن قريش، فلا يأتيهم عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله خبر، خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسّسون الأخبار، وقد قال العبّاس للبيد: يا سوء صباح قريش، واللَّه لئن بغتها ۴ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في بلادها فدخل مكّة عنوة إنّه لهلاك قريش إلى آخر الدهر.
فخرج العبّاس، وقد ركب بغلة رسول اللَّه وأقبل ليلقي إلى قريش خبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال: لعلّي ألقي حطاباً أو حشاشاً فألقي إليه خبره، ثمّ سمع كلام أبي سفيان، فقال: يا سوء صباح قريش.
قال أبو سفيان: من هذا؟
فقال: أنا العبّاس.
فقال: يا أبا الفضل، ما الخبر؟
فقال: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد أتاكم في الدُّهم، ومن لا قِبَلَ لكم به. ففزعوا، ودخلهم
الرعب، وقال أبو سفيان: فما الحيلة؟ ۵

1.يوسف (۱۲): ۹۲.

2.مرّ الظهران: هو واد بين مكّة و عسفان، موضع على مرحلة من مكّة. اُنظر: لسان العرب، ۴، ص ۵۲۹ (ظهر) .

3.غم عليه الأمر: خفي.

4.من البغتة.

5.العبارات في النسخ مضطربة، وقد عبرت عن هذا الحدث بصور مختلفه، وما أثبتناه هو تلفيق منها.


مختصر تفسير القمّي
198

وسار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فلمّا بلغ الروحاء استقبله العبّاس بن عبد المطلب، فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، أين تريد؟ قال: «إلى حيث يشاء اللَّه»، قال: لعلّك تريد مكّة ويقضي اللَّه لك أن تفتحها، فلا يكون لي هجرة؛ فإنّك قلت: لا هجرة بعد الفتح؟
قال: «أنت خاتمة الهجرة، فابعث ثقلك إلى المدينة وارجع»، فرجع معه.
وكانت اُمّ سلمة زوج النبي صلى اللَّه عليه وآله معه، فوافاها أخوها عبد اللَّه ۱ ، فلمّا رآه رسول اللَّه أعرض عنه، فقال: يا رسول اللَّه، قد آمنت بك وأنا أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنّك رسول اللَّه. فلم يجبه بشي‏ء، وأقبل عليه المسلمون يسبّونه، فقالت اُمّ سلمة: يا رسول اللَّه، قبلت إسلام الناس ورددت إسلام أخي؟ فقال: «إنّ أخاك كذّبني تكذيباً لم يكذّبنيه أحد من الناس، فقال: «لَن نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى‏ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعا»... الآيات ۲ ».
قالت أم سلمة: بأبي أنت واُمّي يا رسول اللَّه، ألم تقل إنّ الإسلام يجبّ ما كان قبله؟
قال: «بلى». فقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إسلامه . ۳
فلمّا كان في المنزل الثاني وافاه أبو سفيان الحارث بن عبد المطلب ومعه أبناء جعفر وعليّ، ۴ وكان أبو سفيان شديد العداوة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله والهجاء له، وكان يقول: لو أسلمت قريش كلّها ما أسلمت، فلمّا رآه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أعرض عنه، فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، أنا أبو سفيان بن الحارث، ابن أبيك واُمّك، فلا تردّ إسلامي؛ فانّك إن رددت إسلامي أخذت ابنيّ هذين وألقيت نفسي معهما في البحر. فلم يجبه، فشكى ذلك للعبّاس وقال: كلّمه في أمري وسله أن يقبّلني، فقال العبّاس: ليس لأحد أن يردّ رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. فجاء أبو سفيان إلى أمير المؤمنين وقال كما قال للعبّاس، فقال أمير المؤمنين: «اُعلّمك كلاماً تقوله له، لا يرضى لك إلّا بجواب ذلك الكلام؟» قال: وما هو؟ قال: «إذا ركب فتعرّض له، ثمّ أشر إليه بيدك وقل: «تَاللَّهِ لَقَدْ ءَاثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَطِِينَ » ۵، فإنّه لا يرضى لك إلّا بجواب هذا».

1.وهو عبد اللَّه بن أبي اُمية.

2.الإسراء (۱۷): ۹۰ - ۹۳.

3.رواه البحراني في البرهان، ج ۳، ص ۵۹۴، عن تفسير القمّي.

4.كذا في النسخ، ولعلّه تصحيف.

5.يوسف (۱۲): ۹۱.

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 82141
صفحه از 611
پرینت  ارسال به