۱۷۵۹.رجال الكشّي عن أبي القاسم نصر بن الصّباح : عَبدُ الرَّحمن بنُ الحَجّاجِ شَهِدَ لَهُ أبُو الحَسَنِ عليه السلام بِالجَنَّةِ ، وكانَ أبو عَبدِاللَّهِ عليه السلام يَقولُ لِعَبدِ الرَّحمنِ : يا عَبدَالرَّحمنِ ، كَلِّم أهلَ المَدينَةِ فَإِنّي اُحِبُّ أن يُرى في رِجالِ الشّيعَةِ مِثلُكُ .۱
۱۷۶۰.رجال الكشّي عن حمّاد : كانَ أبُو الحَسَنِ عليه السلام يَأمُرُ مُحَمَّدَ بنَ حَكيمٍ أن يُجالِسَ أهلَ المَدينَةِ في مَسجِدِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه و آله ، وأن يُكَلِّمَهُم ويُخاصِمَهُم حَتّى كَلَّمَهُم في صاحِبِ القَبرِ ، فَكانَ إذَا انصَرَفَ إلَيهِ قالَ لَهُ : ما قُلتَ لَهُم ؟ وما قالوا لَكَ ؟ ويَرضى بِذلِكَ مِنهُ .۲
۱۷۶۱.الإمام العسكري عليه السلام : ذُكِرَ عِندَ الصّادِقِ عليه السلام الجِدالُ فِي الدّينِ ، وأنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه و آله وَالأَئِمَّةَ عليهم السلام قَد نَهَوا عَنهُ . فَقالَ الصّادِقُ عليه السلام : لَم يُنهَ عَنهُ مُطلَقاً ، ولكِنَّهُ نُهِيَ عَنِ الجِدالِ بِغَيرِ الَّتي هِيَ أحسَنُ ، أما تَسمَعونَ اللَّهَ عَزَّوجَلَّ يَقولُ : ( وَ لَا تُجَدِلُواْ أَهْلَ الْكِتَبِ إِلَّا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ) وقَولَهُ : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جَدِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ) .
فَالجِدالُ بِالَّتي هِيَ أحسَنُ قَد قَرَنَهُ العُلَماءُ بِالدّينِ ، وَالجِدالُ بِغَيرِ الَّتي هِيَ أحسَنُ مُحَرَّمٌ ، حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلى شيعَتِنا ، وكَيفَ يُحَرِّمُ اللَّهُ الجِدالَ جُملَةً وهُوَ يَقولُ : ( وَ قَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَرَى ) وقالَ اللَّهُ تَعالى : ( تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ )۳ ، فَجَعَلَ عِلمَ الصِّدقِ وَالإِيمانَ بِالبُرهانِ ، وهَل يُؤتى بِبُرهانٍ إلّا فِي الجِدالِ بِالَّتي هِيَ أحسَنُ ؟
فَقيلَ : يَابنَ رَسولِ اللَّهِ! فَمَا الجِدالُ بِالَّتي هِيَ أحسَنُ ؟ وَالَّتي لَيسَت بِأَحسَنَ ؟
قالَ : أمَّا الجِدالُ بِغَيرِ الَّتي هِيَ أحسَنُ فَأَن تُجادِلَ [ بِهِ ] ، مُبطِلاً فَيورِدُ عَلَيكَ باطِلاً ، فَلا تَرُدُّهُ بِحُجَّةٍ قَد نَصَبَهَا اللَّهُ ، ولكِن تَجحَدُ قَولَهُ ، أو تَجحَدُ حَقّاً ، يُريدُ ذلِكَ المُبطِلُ أن يُعينَ بِهِ باطِلَهُ ، فَتَجحَدُ ذلِكَ الحَقَّ مَخافَةَ أن يَكونَ لَهُ عَلَيكَ فيهِ حُجَّةٌ ، لِأَنَّكَ لاتَدري كَيفَ المَخلَصُ مِنهُ ، فَذلِكَ حَرامٌ عَلى شيعَتِنا أن يَصيروا فِتنَةً عَلى ضُعَفاءِ إخوانِهِم وعَلَى المُبطِلينَ .
أمَّا المُبطِلونَ فَيَجعَلونَ ضَعفَ الضَّعيفِ مِنكُم إذا تَعاطى مُجادَلَتَهُ ، وضَعفَ ما في يَدِهِ ، حُجَّةً لَهُ عَلى باطِلِهِ .
وأمَّا الضُّعَفاءُ مِنكُم فَتُغَمُّ قُلوبُهُم لِما يَرَونَ مِن ضَعفِ المُحِقِّ في يَدِ المُبطِلِ .
وأمَّا الجِدالُ بِالَّتي هِيَ أحسَنُ ، فَهُوَ ما أمَرَ اللَّهُ تَعالى بِهِ نَبِيَّهُ أن يُجادِلَ بِهِ مَن جَحَدَ البَعثَ بَعدَ المَوتِ وإحياءَهُ لَهُ ، فَقالَ اللَّهُ تَعالى حاكِياً عَنهُ : ( وَ ضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَ نَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْىِ الْعِظَمَ وَ هِىَ رَمِيمٌ )۴ فَقالَ اللَّهُ تَعالى فِي الرَّدِّ عَلَيهِ : ( قُلْ - يا مُحَمَّد - يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِى جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَآ أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ) إلى آخِرِ السّورَةِ .
فَأَرادَ اللَّهُ مِن نَبِيِّهِ أن يُجادِلَ المُبطِلَ الَّذي قالَ : كَيفَ يَجوزُ أن يُبعَثَ هذِهِ العِظامُ وهِيَ رَميمٌ ؟ فَقالَ اللَّهُ تَعالى : ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ )۵أفَيَعجُزُ مَنِ ابتَدَأَ بِهِ لا مِن شَيءٍ أن يُعيدَهُ بَعدَ أن يَبلى ؟ بَلِ ابتِداؤُهُ أصعَبُ عِندَكُم مِن إعادَتِهِ .
ثُمَّ قالَ : ( الَّذِى جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا )۶ أي إذا أكمَنَ النّارَ الحارَّةَ فِي الشَّجَرِ الأَخضَرِ الرَّطبِ ، ثُمَّ يَستَخرِجُها فَعَرَّفَكُم أنَّهُ عَلى إعادَةِ ما بَلِيَ أقدَرُ .
ثُمَّ قالَ : ( أَوَ لَيْسَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَ تِ وَ الْأَرْضَ بِقَدِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَ هُوَ الْخَلَّقُ الْعَلِيمُ )۷ أي : إذا كانَ خَلقُ السَّماواتِ وَالأَرضِ أعظَمَ وأبعَدَ في أوهامِكُم وقَدَرِكُم أَن تَقدِروا عَلَيهِ مِن إعادَةِ البالي ، فَكَيفَ جَوَّزتُم مِنَ اللَّهِ خَلقَ هذَا الأَعجَبِ عِندَكُم ، وَالأَصعَبِ لَدَيكُم ، ولَم تُجَوِّزوا مِنهُ [ خَلقَ ]ما هُوَ أسهَلُ عِندَكُم مِن إعادَةِ البالي ؟
فَقالَ الصّادِقُ عليه السلام : فَهذَا الجِدالُ بِالَّتي هِيَ أحسَنُ ، لِأَنَّ فيها قَطعَ عُذرِ الكافِرينَ وإزالَةَ شُبَهِهِم .
وأمَّا الجِدالُ بِغَيرِ الَّتي هِيَ أحسَنُ ، فَأَن تَجحَدَ حَقّاً لايُمكِنُكَ أن تُفَرِّقَ بَينَهُ وبَينَ باطِلِ مَن تُجادِلُهُ ، وإنَّما تَدفَعُهُ عَن باطِلِهِ ، بِأَن تَجحَدَ الحَقَّ ، فَهذا هُوَ المُحَرَّمُ ، لِأَنَّكَ مِثلُهُ ، جَحَدَ هُوَ حَقّاً ، وجَحَدتَ أنتَ حَقّاً آخَرَ .
وقالَ أبو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ العَسكَرِيُّ عليه السلام : فَقامَ إلَيهِ رَجُلٌ آخَرُ وقالَ : يَابنَ رَسولِ اللَّهِ ، أفجادَلَ رَسولُ اللَّهِ ؟
فَقالَ الصّادِقُ عليه السلام : مَهما ظَنَنتَ بِرَسولِ اللَّهِ مِن شَيءٍ ، فَلا تَظُنَّنَّ بِهِ مُخالَفَةَ اللَّهِ . ألَيسَ اللَّهُ قَد قالَ : ( وَ جَدِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ) ؟! وقالَ : ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ )۸ ؟ ! لِمَن ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً ؟ أفَتَظُنُّ أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه و آله خالَفَ ما أمَرَهُ اللَّهُ بِهِ ، فَلَم يُجادِل بِما أمَرَهُ اللَّهُ بِهِ ، ولَم يُخبِر عَن [ أمرِ ]اللَّهِ بِما أمَرَهُ أن يُخبِرَ بِهِ [ عَنهُ ] ؟!۹