83
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس

«مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ».۱

قدّمت هذه الآية معايير وضوابط التعامل مع المؤنين والكفّار بدون رفض لتناقضات الآراء في المجتمع الدينيّ، وهي قاعدة أساسيّة لها دور مؤّر في الرسالة النبويّة۲، فالمؤنون يواجهون الكفّار بشدّة وغلظة۳ كنار كثيفة محرقة، ويبنون سدّاً فولاذيّاً منيعاً قبالة العدوّ۴، ولكنّهم يتوادّون فيما بينهم ويتعاملون برحمة مع بعضهم، ويحبّ بعضهم بعضاً أبداً۵، وهذا النوع من التعامل هو سيرتهم ومنهجهم الثابت، ولا تؤّي شدّتهم وغلظتهم مع الكفّار إلى تعامل عنيف مع بعضهم، ولذلك أخبرت الآية بعد تلك الشدّة عن سلوك رحيم للمؤنين مع بعضهم لدفع هذا التوهّم.۶

كما اعتبر بعض المفسّرين قوله تعالى: «أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ»۷ نظيراً لقوله: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ».۸

ويعود سبب الشدّة في هذا السلوك لدى المؤنين إلى التزامهم بالإيمان ولوازمه، من قبيل الدفاع عنه حيال الكفر، حيث يتعاملون بشدّة مع كلّ ما يوجب تقوية الكفر وتضعيف الإيمان، على أنّ هذه المواجهة ليست على صعيد الدعوة، بل تبرز عند الاشتباك والتحدّي.۹

فالقرآن والسيرة النبويّة هما النظام الأساسيّ لقيام الإمام المهديّ علیه السلام في الفكر الشيعيّ،

1.. الفتح: ۲۹.

2.. من وحي القرآن: ج ۲۱ ص ۱۲۷.

3.. تفسير مقاتل بن سليمان: ج ۴ ص ۷۸، تفسير الطبريّ: ج ۱۳ ص ۱۰۹.

4.. تفسير نمونه: ج ۲۲ ص ۱۱۳.

5.. تفسير مقاتل بن سليمان: ج ۴ ص ۷۸، التبيان في تفسير القرآن: ج ۹ ص ۳۳۶.

6.. الميزان في تفسير القرآن: ج ۱۸ ص ۲۹۹.

7.. المائدة: ۵۴.

8.. مجمع البيان: ج ۹ ص ۱۹۲.

9.. من وحي القرآن: ج ۲۱ ص ۱۲۸.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
82

ب ـ الشدّة معيار قرآنيّ في التعامل مع المخالفين

ربما يصوّر ظاهر أحاديث موضوع البحث نوعاً من العنف والتعامل الفاقد لعنصر المحبّة لدى الإمام المهديّ علیه السلام ممّا لا يبدو قابلاً للجمع مع فلسفة الإمامة ورسالة الهداية للإمام، كما أنّ القبول بالمفهوم الظاهر لها يستتبع ترديداً في صحّة صدور هذه الروايات.

وهنا يبرز هذا السؤل: على فرض صحّة صدور هذه النصوص وأسانيدها، فما هي الأُصول الإسلاميّة المبتني عليها مفاد هذه الأخبار؟ وأفضل مصدر للإجابة عن هذا التساؤ هي الإرشادات القرآنيّة التي هي أساس السيرة النبويّة.

أكّدت الإرشادات القرآنيّة على قاعدتين سلوكيّتين في التعامل الإنسانيّ، فعلى أساس القاعدة الأُولى يقتضي اختصاص الكرامة الإلهيّة بالإنسان۱ من بين المخلوقات الأرضيّة۲ أن يكون الأصل الأوّليّ للتعامل معه هو الرحمة والاحترام، وتؤّد الفطرة الإنسانيّة كذلك ضرورة هذا الأصل في السلوك، كما أوصى الأنبياء دائماً بالمعاملة الكريمة والرأفة في السلوك مع مخاطبيهم.۳

والسلوكيّات الفاقدة لخصّيصة الرحمة معلولة لردّةِ فعل الشخص السلبيّة حيال الإرادة الإلهيّة، أو جشعهِ وفرضِ سيطرته على الآخرين، وهذا ممّا لا يجوّزه الشرع ولا العقل.

والقاعدة الثانية تؤّد على التعامل المتناسب مع نظرة وأداء الفرد في المناسبات الاجتماعيّة، واستند إليها اللّه‏ تعالى في تحديد نوعيّة تعامل الأنبياء مع أفراد المجتمع:

1.. «وَ لَقَدْ كرَّمْنا بَني آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كثيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضيلاً» الإسراء: ۷۰. ولمعرفة جوانب تكريم الإنسان في هذه الآية راجع: البرهان في تفسير القرآن: ج ۳ ص ۵۵۰ وتفسير نور الثقلين: ج ۳ ص ۱۸۷ والدرّ المنثور: ج ۵ ص ۳۱۵.

2.. تفسير التحرير و التنوير : ج ۱۴ ص ۱۳۱ .

3.. «فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكرُ أَوْ يَخْشى» طه: ۴۴، و «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِلاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» آل عمران: ۱۵۹.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8479
صفحه از 483
پرینت  ارسال به