ب ـ الشدّة معيار قرآنيّ في التعامل مع المخالفين
ربما يصوّر ظاهر أحاديث موضوع البحث نوعاً من العنف والتعامل الفاقد لعنصر المحبّة لدى الإمام المهديّ علیه السلام ممّا لا يبدو قابلاً للجمع مع فلسفة الإمامة ورسالة الهداية للإمام، كما أنّ القبول بالمفهوم الظاهر لها يستتبع ترديداً في صحّة صدور هذه الروايات.
وهنا يبرز هذا السؤل: على فرض صحّة صدور هذه النصوص وأسانيدها، فما هي الأُصول الإسلاميّة المبتني عليها مفاد هذه الأخبار؟ وأفضل مصدر للإجابة عن هذا التساؤ هي الإرشادات القرآنيّة التي هي أساس السيرة النبويّة.
أكّدت الإرشادات القرآنيّة على قاعدتين سلوكيّتين في التعامل الإنسانيّ، فعلى أساس القاعدة الأُولى يقتضي اختصاص الكرامة الإلهيّة بالإنسان۱ من بين المخلوقات الأرضيّة۲ أن يكون الأصل الأوّليّ للتعامل معه هو الرحمة والاحترام، وتؤّد الفطرة الإنسانيّة كذلك ضرورة هذا الأصل في السلوك، كما أوصى الأنبياء دائماً بالمعاملة الكريمة والرأفة في السلوك مع مخاطبيهم.۳
والسلوكيّات الفاقدة لخصّيصة الرحمة معلولة لردّةِ فعل الشخص السلبيّة حيال الإرادة الإلهيّة، أو جشعهِ وفرضِ سيطرته على الآخرين، وهذا ممّا لا يجوّزه الشرع ولا العقل.
والقاعدة الثانية تؤّد على التعامل المتناسب مع نظرة وأداء الفرد في المناسبات الاجتماعيّة، واستند إليها اللّه تعالى في تحديد نوعيّة تعامل الأنبياء مع أفراد المجتمع:
1.. «وَ لَقَدْ كرَّمْنا بَني آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كثيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضيلاً» الإسراء: ۷۰. ولمعرفة جوانب تكريم الإنسان في هذه الآية راجع: البرهان في تفسير القرآن: ج ۳ ص ۵۵۰ وتفسير نور الثقلين: ج ۳ ص ۱۸۷ والدرّ المنثور: ج ۵ ص ۳۱۵.
2.. تفسير التحرير و التنوير : ج ۱۴ ص ۱۳۱ .
3.. «فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكرُ أَوْ يَخْشى» طه: ۴۴، و «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِلاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» آل عمران: ۱۵۹.