81
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس

والسياسيّة للمجتمع الإسلاميّ، فمثلاً أشار الإمام عليّ عليه‏السلام في خطبته لأهل الكوفة إلى هذا الأمر على أنّه أحد الأُصول الستراتيجيّة للأئمّة عليهم‏السلام، وهو أنّ الإمام المعصوم لا يرتكب فساداً لإصلاح الآخرين، حيث صرّح الإمام عليه‏السلام بأنّه على الرغم من علمه بأنّ الطريق الوحيد لإصلاح أهل الكوفة هو السيف، لكنّه لن يقدم عليه ؛ لاستلزامه الفساد في شخص الإمام:

۰.إنّي لَعالِمٌ بِما يُصلِحُكُم ويُصلِحُ أوَدَكُم، ولكِنّي لا أرى إصلاحَكُم بِإِفسادِ نَفسي.۱

عرّف الإمامُ عليّ عليه‏السلام بهذا الكلام أنّ استراتيجيّة الإمامة في الإصلاح الدينيّ تختلف تماماً عن القتل والاستبداد المعرفيّ ؛ ولذلك يمكن اعتبار الحكمة الرئيسة في تأخير القيام المهدويّ هي عدم تهيّؤالأرضيّة الثقافيّة على المستوى العالميّ لتحقّقه.۲

وبكلمة أُخرى: إنّ أهمّ عامل إنسانيّ مؤّر في حصول هذا القيام هو الاستعداد الفكريّ، والرؤة الموحّدة في إدارة العالم من قبل الإنسان الكامل، وما لم يتحقّق ذلك، فسيتأخّر القيام أو لن يحدث.

وأشار القرآن الكريم في الآية التالية إلى أصل «إرادة قبول الإنسان للتغيير» على أنّها إحدى السنن الإلهيّة في التحوّلات الفرديّة والاجتماعيّة:

«إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ».۳

وقيام الإمام المهديّ علیه السلام من أتمّ مصاديق هذا التغيير، وسيحدث في إطار السنن الإلهيّة ـ وبالطبع ـ عند تأهّب جماهير الشعب لقبول الحكومة المهدويّة، وحقّ على أئمّة المستكبرين والمعاندين فقط أن يذوقوا طعم عقاب الإمام عليه‏السلام وسيفه.

1.. موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‏السلام : ج ۴ ص ۷۸ القسم السابع / الفصل الثالث / لا أرى إصلاحكم بإفسادنفسي .

2.. راجع: ج ۲ ص ۲۴۳ (القسم الثالث / الفصل الثاني / بيان الحكمة من غيبة الإمام المهدي عليه‏السلام) .

3.. الرعد: ۱۱.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
80

مخالفيه باتّباع الاستبداد السياسيّ والاستراتيجيّات العسكريّة.۱

المسألة الرئيسة في هذا البحث هي دراسة وتحليل مثل تلك النصوص. ومن الضروريّ قبل الدخول إلى تقييم أسانيد ونصوص هذه الأحاديث الاهتمام بالأُمور الآتية على أنّها من أساسيّات البحث:

أ ـ الحكمة من تأخير قيام الإمام المهديّ علیه السلام

ينبغي الالتفات إلى عنصرين مهمّين ومؤّرين في عمليّة تكوين القيام المهدويّ، وكلّ تحليل سيبقى ناقصاً ما لم يؤذا بنظر الاعتبار:

الأوّل: النطاق الإنسانيّ والجغرافيّ الواسع: يعمّ قيام الإمام المهديّ علیه السلام جميع الحدود الجغرافيّة للكرة الأرضيّة، والقوميّات والشعوب الإنسانيّة كافّة. ولهذه السعة في النطاق الإنسانيّ والجغرافيّ تأثير بالغ في كيفيّة تقدّم القيام، وتجعل من الضروريّ له أن لا يتمّ بنحوٍ يُفضي إلى سلب الاختيار من أفراد البشر والقبول به إجباريّاً، بل يكون عن وعي واختيار بدراسة التوقّعات اللاّزمة له والتمهيد الشامل لمتطلّباته.

الثاني: وجود الأرضيّة الثقافيّة والسياسيّة: يتوقّف تحقّق أهداف قيام الإمام المهديّ علیه السلام في نطاقه الإنسانيّ والجغرافيّ على الوعي المسبق للشعب باستراتيجيّاته الثقافيّة والسياسيّة، ولن يتيسّر ذلك إلاّ بالاستعداد الفكريّ ووجود الأرضيّات المعرفيّة عن هذا القيام لدى المخاطبين، وعلى فرض حدوث القيام دون هذا الوعي فإنّه سيواجه صعوبات وتحدّيات كثيرة، من قبيل الإجبار وكثرة القتل ؛ لأنّه بدون الأرضيّة الثقافيّة والسياسيّة ستجابهه مخالفة كثير من المذاهب والمدارس للحفاظ على مكانتها.

ونقول في الردّ على الفرض الأخير: إنّه يتعارض مع الفطرة والعقل، كما يمكن الاستناد إلى سيرة الأئمّة عليهم‏السلام ؛ إذ لو صحّ الفرض المومأ إليه، فللأئمّة السابقين الاستفادة من المعجزة أو تقتيل المخالفين لتحقيق حكومة أهل البيت عليهم‏السلام بدون الاكتراث بالأرضيّات الثقافيّة

1.. راجع: أفعال المهديّ علیه السلام الشنيعة فيما زعمته عند الشيعة: ص ۲۵ ـ ۵۲.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8236
صفحه از 483
پرینت  ارسال به