229
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس

التشدّد مع المخالفين

ربّما يقال بأنّ الآيات الحاكية عن التعامل السلميّ والصلح والمحبّة مع أهل الكتاب تتعلّق بعهد ما قبل ظهور الإمام المهديّ علیه السلام وزمان التقيّة، وأمّا في ذلك العصر فسترفع التقيّة۱ وتنتفي الحاجة إلى مثل هذا الصلح مع أهل الكتاب.

كما توجد أحاديث عديدة تدلّ على تشدّد الإمام المهديّ علیه السلام ، مثل حديث رواه أبو بصير عن الإمام الصادق عليه‏السلام وجاء فيه:

۰.ما يَستَعجِلونَ بِخُروجِ القائِمِ؟! وَاللّه‏ِ، ما لِباسُهُ إلاَّ الغَلِيظُ، وما طَعامُهُ إلاَّ الشَّعيرُ الجَشِبُ؛ وما هُوَ إلاَّ السَّيفُ وَالمَوتُ تَحتَ ظِلِّ السَّيفِ.۲

ولكنّ هذا الكلام غير صحيح ؛ لأنّهم ما احتاجوا إلى التقيّة مع أهل الكتاب في زمن النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، وكانوا على قدر عال من القوّة يغنيهم عن المصالحة، ولكنّهم لم يفعلوا ذلك، وهذا يفصح عن تأسيس الأصل الأوّلي في الإسلام على التعايش السلميّ والصلح، وخلافه يحتاج إلى دليل.

ويقوى هذا الموقف بحديث أبي بصير عن الإمام الصادق عليه‏السلام في تشابه سيرة الإمام المهديّ علیه السلام مع سيرة النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله المسالِمة لأهل الكتاب، حيث جاء فيه:

۰.... يُسالِمُهُم كمَا سَالَمَهُم رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله.۳

وإن قيل شيء في اختلاف السيرتين فهو متعلّق بافتراق الأوضاع، فنجد مثلاً في رواية أبي خديجة عن الإمام الصادق عن الإمام عليّ عليه‏السلام أنّه قال:

1.. إشارة إلى أحاديث قائلة بأنّه لا حاجة إلى التقيّة بعد ظهور الإمام المهديّ علیه السلام ، منها على سبيل المثال حديث الإمام الرضا عليه‏السلام حيث يقول: «فَمَن تَرَكَ التَّقِيَّةَ قَبلَ خُروجِ قائِمِنا فَلَيسَ مِنّا» راجع: ص ۱۷۱ ح ۱۷۸۷.

2.. الغيبة للنعمانيّ: ص ۲۳۴ ح ۲۱، الغيبة للطوسيّ: ص ۴۵۹ ح ۴۷۳، الخرائج والجرائح: ج ۳ ص ۱۱۵۵ ح ۶۱، عقدالدُّرَر: ص ۲۲۸.

3.. المزار الكبير: ص ۱۳۵.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
228

وبهذا البيان يمكن الجمع بين أدلّة المجموعتين الأُولى والثانية، وإعادة قراءة لتلك الأدلّة في ضوء هذه النظريّة تيسّر الجمع بينها كما تقدّم.

فالأدلّة القرآنيّة العامّة لمؤّدي كثرة الأديان في المجتمع المهدويّ ـ المشتملة على عدم الإكراه في الدين، والترحيب باقتراح الصلح، والأمر بالجدال الأحسن والتعايش السلميّ ـ تتناسب تماماً مع النظريّة المذكورة، ويمكن اعتبار جميع تلك الصفات جزءاً من السيرة العمليّة للإمام المنتظَر عليه‏السلام، فلا يحتاج إلى الإلزام والإكراه في الدين، ويميل الناس إلى الإسلام شيئاً فشيئاً وجماعة تلو الأُخرى ويجدون ضالّتهم فيه ؛ نتيجة لما بلغوه من تطوّر، ولمشاهدة سيرة الإمام العصر عليه‏السلام النبيلة.

كما تزيد الدعوة الحكيمة والنقاش الأحسن من رصيد التوجّه نحو الإسلام ؛ لأنّ عقول البشر تصل إلى درجة عالية من الكمال في عهد الإمام عليه‏السلام ۱، إذ سيؤن جميع اليهود والمسيحيّين باستماع الأدلّة الإسلاميّة القويّة، وعندئذٍ لن تبقى المسيحيّة واليهوديّة والأديان الإلهيّة الأُخرى.

وفي الوقت نفسه يمكن أن يعطي جماعة من أهل الكتاب الجزية ويظلّوا على دينهم في بداية الأمر، كما يمكن أيضاً أن يحتجّ الإمام عليه‏السلام على كلّ ملّة بكتابهم، أو يقضي بينهم إتماماً للحجّة وتعريفاً بقابليّاته وقدراته ؛ ممّا يؤّي إلى إيمان المنصفين من أتباع الديانات الأُخرى به وبصلاحيّاته في الإمامة.

وأمّا الباقون فهم فئتان: إمّا واعون معاندون ينبغي محاربتهم وإبادتهم، وإمّا غافلون يحتاج أمرهم إلى مرور مدّة من الزمن أو تبدّل الأجيال، فبمضيّ جيل أو جيلين وتزايد وعي الناس والتربية الصالحة، ستنحلّ هذه الفئة تدريجيّاً وتلتحق بالجماعة المؤنة، وهنا لا يبقى مكان للجزية، ويتحقّق مصداق الآيات والأحاديث المتعلّقة بوحدة الدين.

1.. إشارة إلى حديث في هذا الصدد للإمام الباقر عليه‏السلام حيث قال: «إذا قامَ قائِمُنا وَضَعَ اللّه‏ُ يَدَهُ عَلى رُؤوسِ العِبادِ ، فَجَمَعَ بِها عُقولَهُم، وكَمُلَت بِهِ أحلامُهُم» راجع: ص ۱۷۳ ح ۱۷۸۹ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8141
صفحه از 483
پرینت  ارسال به