199
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس

«لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».۱

۴. القرآن الكريم والترحيب باقتراح السلام

جعل اللّه‏ تعالى الأصل الأوّلي في القرآن الكريم على أساس السلام، واعتبر الحرب والجهاد مختصّاً فيما إذا لم تكن إمكانيّة لوجود السلم، أو وجدت إرادة الظلم والتعدّي. وترقّت مسالمة الإسلام حتّى شملت المشركين أيضاً على الرغم من وجود شروط أكثر صعوبة في هذا المورد، فعلى سبيل المثال ورد في القرآن الكريم:

«إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً».۲

وقد ذكر المفسّرون أسماء هذه الجماعة، وعدّهم بعض المفسّرين۳ من قبيلة خزاعة، ومنهم: هلال بن عويمر الأسلميّ، وسراقة بن مالك بن جشم، وبنو مدلج، وبنو جذيم. وقال بعض العلماء۴ بأنّهم بنو مدلج، وبعض آخر۵ بأنّهم قبيلة أشجع بزعامة مسعود بن دخيلة، وعددهم سبعمئة شخص جاؤا إلى قرب المدينة وقالوا بأنّهم أتوا ليتعاهدوا مع محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله لترك القتال، فرحّب النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله بهذا الاقتراح كثيراً، وأمر بإرسال مزيد من التمر كهديّة لهم، فنزلت الآية المذكورة في هذا الشأن.۶

1.. الممتحنة: ۸.

2.. النساء: ۹۰.

3.. مقاتل في تفسير مقاتل بن سليمان: ج ۱ ص ۳۹۶.

4.. العامليّ في الوجيز في تفسير القرآن العزيز: ج ۱ ص ۳۳۲.

5.. الدخيل في الوجيز في تفسير القرآن العزيز: ج ۱ ص ۱۲۱. وهذا التفسير والذي سبقه كلاهما بنفس الاسم ومؤّفاهما من الشيعة. ألّف الدخيل وجيزه في القرن الرابع عشر، والعاملي وجيزه في القرن الحادي عشر.

6.. وذكرت بعض التفاسير جماعات أُخرى أيضاً.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
198

وبناء عليه، فاحتمال بقاء أهل الكتاب وإمكانيّة استمرار حياتهم تحت ظلّ الحكومة الإسلاميّة، ليس ضعيفا.

وبالتأكيد أنّ هذه الآية منحصرة في أهل الكتاب، ولا دلالة لها في الأديان غير الإلهيّة.

۳. التعايش السلميّ في حكومة الإسلام

لا شكّ في حكم الإسلام للمجتمع المهدويّ، ولكن يمكن افتراض أوضاع يحكم فيها الإسلام وأحكامه مع إمكانيّة حضور سائر الأديان الإلهيّة، وأحد شروط هذا الأمر هو زوال دنس الشرك وعبادة ما سوى اللّه‏، فيخاطب القرآن الكريم أهل الكتاب ويقول:

«قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ».۱

اعتنت هذه الآية بنقاط الاشتراك بين الإسلام وأهل الكتاب، وهي تعلّم المسلمين وتقول لهم: إذا لم يتقبّل البعضُ الحقيقةَ بكلّيتها ويعتنق الإسلام، فعليكم بالوحدة مع بعضكم في أصل التوحيد كحدّ أدنى، وادعوهم إلى اجتناب الشرك.

كما أنّ لغة الآية صيغت بنحوٍ يدعو الطرفين معاً إلى اجتناب الشرك ؛ لكيلا يتولّد شعور عند أهل الكتاب بأنّ المسلمين يرون أنفسهم متفوّقين، ويقوى هذا الأُسلوب أكثر عند النظر إلى أصل الكرامة الإنسانيّة الذاتيّة التي أكّدها القرآن الكريم.۲

ويبيّن القرآن الكريم إضافة إلى ذلك السياسةَ العامّة للإسلام في التعامل مع أتباع سائر الأديان، ويقول للمسلمين: تصالحوا معهم ما لم يحاربوكم ولم يضيّعوا حقّكم، بل برّوهم أيضا:

1.. آل عمران: ۶۴.

2.. «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَاتَفْضِيلاً» الإسراء: ۷۰.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8129
صفحه از 483
پرینت  ارسال به