233
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس

بحيث يمكن أخذ الجزية كما في السابق، والقبول بمثل هذا التغيير دون حضور الإمام المهديّ علیه السلام صعب جدّاً، بل يكاد يكون مستحيلاً ؛ لأنّ حركة العالم تسير نحو رفع المزيد ممّا يشابه هذه الأحكام، وحرّية العمل، ومساواة أكثر بين الأشخاص في اختيار الدين والمذهب.

فالتغيير الحاصل بمجيء الإمام عليه‏السلام هو فرض حكم الجزية وتطبيقه لا إيقافه ؛ لأنّه لم يكن يُطبّق قبل مجيء الإمام لكي يتوقّف بعده.

النتيجة

نستنتج من دراسة مجموع أدلّة هذا الباب أنّ أيّ نظرية من نظريّتي «وحدة الدين» و «كثرة الأديان» في المجتمع المهدويّ لا تتطابق مع جميع الأدلّة، فكلتا النظريّتين تتجاهل بعضاً منها، أمّا النظريّتان الأُخريان فهما تسعيان للجمع بين الأدلّة.

فنظريّة «وحدة الدين وكثرة الشرائع» معقولة بعض الشيء، ولكنّ القبول بها يتطلّب مزيداً من الأدلّة والشواهد، وينبغي الإجابة عن سؤل هو: ما الفائدة من بقاء الشرائع الأُخرى رغم وجود الشريعة الأسمى والأفضل؟ وبعبارة اُخرى: عندما تتاح الشريعة الإسلاميّة السهلة والسمحاء للجميع ويطّلعون عليها، فما السبب من إصرار بعض الأشخاص ليثبتوا على شرائعهم القديمة؟ إصرار لا يجدي سوى الحرمان من مزايا الشريعة الأسمى.

ولعلّ من عوامل تعلّق البشر بالشرائع السابقة هو الاختلاف الثقافيّ والقوميّ، مثلما تختلف أزياء ولهجات الأشخاص والقوميّات المختلفة. ويمكن السماح ببعض الافتراق في الكيفيّات الشرعيّة أيضاً، ولكن عند التطلّع إلى الشريعة الإسلاميّة وشعائرها ودعوتها البشر للاتّحاد والأداء المشترك في القضايا الشرعيّة، مثل: صلاة الجماعة ومناسك الحجّ والعمرة وسائر الأعمال العباديّة الجماعيّة، نجد أنّ سياسة الإسلام هي المضيّ نحو الوحدة والانسجام، وبناء عليه فنظريّة وحدة الدين وكثرة الشرائع تستطيع الجمع بين الأدلّة


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
232

الجزية في الحكومة المهدويّة

جاء أنصار نظريّة وحدة الدين في المجتمع المهدويّ بحديث وردت فيه عبارة «يضع الجزية» الدالّة حسب رأيهم على رفع حكم الجزية، ولكن تقدّم أنّ لها معنىً آخر وهو فرض الجزية وأخذها منهم، ويبدو أنّ هذا المعنى أصحّ نظراً إلى استعمالات مادّة «وضع»، فالوضع في مقابل الرفع حسب قول اللغويين۱، وعندما يُراد استعماله بمعنى الرفع يعدّى بـ «عن»، فمثلاً إذا أُريد التعبير عن رفع الدَّين أو العقوبة أو الجزية عن شخص قيل: «وُضع عنه كذا».۲

وذكر ابن الأثير في النهاية المعنى الأوّل في ذَيلِ حديث عن النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله بالمضمون نفسه، ونصّه كما يلي:

«يَنِزلُ عيسَى بنُ مَريَمَ عليه‏السلام فَيَضَعُ الجِزيَةَ» أي يحمل الناس على دين الإسلام، فلا يبقى ذمّيّ تجرى عليه الجزية.۳

ولكن يبدو أنّ هذا التفسير لا يصمد أمام النقد ؛ لأنّه لا يناسب استعمالات مادّة «وضع» في اللغة العربيّة.

وفي عالم اليوم لا أحد يدفع الجزية، وليس هناك من يأخذها، فالجزية حكم معطّل، ولو ظهر الإمام عليه‏السلام في أوضاع تناظر ما نحن فيه، فالحدث الجديد حينئذٍ ليس رفع حكم الجزية بل فرضها وإجراءها.

وبناء عليه، ينبغي شرح الحديث بحيث يتلاءم مع هذا الوضع، إلاّ أن تتغيّر أوضاع العالم

1.. لسان العرب: ج ۸ ص ۳۹۶.

2.. التحقيق في كلمات القرآن الكريم: ج ۱۳ ص ۱۳۰. كما ورد في القرآن الكريم بهذا النحو أيضاً: «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَصَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ» الشرح: الآيتان ۱ ـ ۲ و «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ... وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ» (الأعراف: ۱۵۷).

3.. النهاية: ج ۵ ص ۱۹۷.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8524
صفحه از 483
پرینت  ارسال به