221
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس

وإذا انضمّ إلى تينك الآيتين قوله تعالى: «لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً»۱، وقوله تعالى: «ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا»۲ يتحصّل لنا أنّ الشريعة هي الطريقة الممهّدة لأُمّة من الأُمم أو لنبيٍّ من الأنبياء الذين بُعثوا بها، كشريعة نوح وشريعة إبراهيم وشريعة موسى وشريعة عيسى عليهم‏السلام وشريعة محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، والدين هو السنّة والطريقة الإلهيّة العامّة لجميع الأُمم، فالشريعة تقبل النسخ دون الدين بمعناه الوسيع.۳

وعلى هذا الأساس يتسنّى طرح فرض آخر لفهم الآيات والأحاديث المتعلّقة بالموضوع، فيمكن افتراض أنّ بعضاً من أهل الكتاب يتّحدون مع المسلمين في المسائل الدينيّة الرئيسة، ويسمح لهم بنحوٍ ما بالبقاء على ممارسة بعض آدابهم وشعائرهم، والمحافظة على دينهم إلى حدّ معيّن، وهذه الخطوة مشروطة بإصلاح أُصولهم الاعتقاديّة، ونفي الشرك وجميع المظاهر الشيطانيّة من دينهم، فإن قُبل هذا الفرض فلا يمكن بعدئذٍ الحكم القاطع بعدم وجود دين غير الإسلام في المجتمع المهدويّ.

وتدلّ عبارات بعض الأحاديث على إيمان الناس وشهادتهم بوحدانيّة اللّه‏ ورسالة النبيّ الأعظم صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، ولكنّها لاتعني اتّباع الجميع للشريعة الإسلاميّة ؛ لأنّه مازال يعتقد بعض المسيحيّين بأنّ نبيّ الإسلام صلى‏الله‏عليه‏و‏آله اصطفاه اللّه‏ وبعثه بالرسالة، وفي الوقت ذاته لا يرون ضرورة لاتّباعه، فيمكن أن يُسمح لهم بالعمل وفقاً لشريعتهم بعد تصحيح أُسسهم الاعتقاديّة وأعمالهم.

ونسبة الشرائع الخاصّة إلى الدين الواحد كنسبة الأحكام الجزئيّة إلى الأحكام الكلّيّة، إذ يمكن أن تُنسخ الأحكام الجزئيّة، ولكنّ أصل الأحكام الإلهيّة لا يُنسخ، وكذلك لا يُنسخ

1.. المائدة: ۴۸.

2.. الجاثية: ۱۸.

3.. الميزان في تفسير القرآن: ج ۵ ص ۳۵۱.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
220

وذكر السيّد ابن طاووس في الملاحم حديثاً عن رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله تكلّم فيه عن نزول عيسى عليه‏السلام وحكمه في قسم من الأُمّة، فقال:

۰.ويَكونُ عيسَى في اُمَّتي حَكَما عَدلاً، وإماما مُقسِطا، يَدُقُّ الصَّليبَ، ويَقتلُ الخِنزيرَ، ويَضَعُ الجِزيَةَ، ويَترُكُ الصَّدَقَةَ.۱

وجاءت عبارة «يضع الجزية» في نصّ هذا الحديث أيضاً، وفُسّرت بمعنى إبطال الجزية.

النظريّة الثالثة: وحدة الدين وكثرة الشرائع في المجتمع المهدويّ

ميّزت كتب اللغة بين الدين والشريعة، فيرى علماء اللغة أنّ الدين موضوع أعمّ والشريعة أخصّ۲، فالدين كالبحر، والشرائع كالروافد المتفرّعة منه.

وأشار المفسّرون أيضاً إلى هذا الاختلاف، فنذكر على سبيل المثال رأي العلاّمة الطباطبائيّ في تفسيره الثمين الميزان، حيث قال:

الظاهر من القرآن أنّه يستعمل الشريعة في معنىً أخصّ من الدين، كما يدلّ عليه قوله تعالى: «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الاْءِسْلاَمُ»۳، وقوله تعالى: «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاْءِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ».۴

۰.ويتّضح بجلاء من هاتين الآيتين أنّ كلّ طريقة ومسلك في عبادة اللّه‏ تعالى هي دين، ولكنّ الدين المقبول عند اللّه‏ هو الإسلام فحسب، فللدين إذن معنىً عامّ واسع من المنظور القرآنيّ.

1.. الملاحم والفتن: ص ۱۷۳ وراجع هذه الموسوعة: ص ۲۴۰ ح ۱۸۳۸ سنن ابن ماجة.

2.. لسان العرب: ج ۸ ص ۱۷۵، مجمع البحرين: ج ۴ ص ۳۵۲، مفردات ألفاظ القرآن: ص ۴۵۰.

3.. آل عمران: ۱۹.

4.. آل عمران: ۸۵.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8467
صفحه از 483
پرینت  ارسال به