113
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس

مدّة الحكم: قصيرة أم طويلة؟

لا يتأتّى الإفصاح عن رأي قاطع في مدّة حكومة الإمام المهديّ علیه السلام ؛ لضعف أكثر أحاديث هذا الباب، وضرورة وجود أدلّة تبعث على الاطمئنان في المسائل العقائديّة والتاريخيّة.

ومن اعتبر مدّة حكومة الإمام عليه‏السلام قصيرة (سبع سنوات) على أساس مقارنتها بحكومة النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله في المدينة (وهي ثمان إلى عشر سنوات) لم يلتفت إلى افتراق هاتين الحكومتين ؛ لأنّ المجتمع الإسلاميّ في صدر الإسلام صغير جدّاً حينذاك وفي نطاق شبه الجزيرة العربيّة لا في جميع أنحاء الأرض، كما هو مقرّر لحكومة الإمام المهديّ علیه السلام العالميّة أن تبسط نفوذها على كلّ العالم، وتهدي جميع سكّانه إلى الصراط المستقيم، وتأخذ بأيديهم نحو الدين الإسلاميّ الحنيف، ومهما فرضنا سرعة مثل هذا الأمر، فلا يمكن حدوثه في سبع أو ثمان أو تسع سنوات ؛ ولذلك لا يمكن القبول برأيه في هذا الموضوع.

والآراء الأُخرى لا تملك دليلاً قويّاً يمكن الاعتماد عليه أيضاً، وبخاصّة لو نظرنا إلى تعارض أحاديث هذا الباب لَتفادينا الإدلاء بحكم قطعيّ.

وفي الوقت ذاته ينبغي الالتفات إلى أنّ استقرار حكومة عادلة في أرجاء الأرض بعد قرون من حكومة الكفر والظلم، يتطلّب جهداً طويلاً وواسعاً، وينبغي حضور الإمام المهديّ علیه السلام أو خلفائه لسنوات في العالم للتمكّن من تحقيق جميع أهدافهم عمليّاً. والقبول بكون الناس منتظرين لتحقّق العدالة المهدويّة لعدّة قرون وتحمّلهم الكثير من المشاكل والمصاعب في هذا السبيل، ثمّ عدم استمرار هذه الحكومة إلاّ بعض سنين، ثمّ انتهاء العالم، هو أمر بعيد عن الذهن كلّ البعد، بل ينبغي على الأقلّ استمرار نظام الحكومة المهدويّة لزمن طويل.

كما أنّ من الصعب تصوّر عدم حضور الإمام المهديّ علیه السلام في النظام المهدويّ ـ الذي يتشكّل بعد قرون من الانتظار ـ ووفاته بعد سبع سنوات فقط، فالبشريّة تنتظره طوال قرون وتدعو له، وأمَرَ أهلُ البيت عليهم‏السلام بالدعاء لبقائه على الأرض وتمتُّعِه فيها طويلاً بعد استقرار حكومته: «اللّهُمَّ كُن لِوَليِّكَ الحُجَّةِ ابنِ الحَسَنِ... حَتّى تُسكِنَهُ أرضَكَ طَوعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
112

ورغم ذلك فلا يمكن بهذا التبرير فهم المدّة القصيرة المذكورة في بعض الأحاديث بنحو عاديّ، فإن حدثت معجزةٌ في الواقع وطابقت سنواتٌ حكمهِ السبعُ: سبعين سنةً أو مئة وأربعين سنة۱، فيمكن إدراك أنّ تلك التغيّرات العظيمة ستحدث في كلّ العالم إبّان ذلك الزمن، وأمّا لو يُتصوّر حدوثها في تلك السنين السبع، فهذا لا يمكن فهمه بالنحو المتعارف.

إضافة إلى ذلك يوجد رواة ضعاف في أسانيد هذه الأحاديث۲ ممّا يقلّل من الاعتماد على صحّتها.

الإخفاء

كأنّ رواية ابن عبّاس عن أبيه عن النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله حيث قال: «فَيَملَأُ الأَرضَ عَدلاً كما مُلِئَت جَوراً، ويَمكُثُ فِي الأَرضِ ما شاءَ اللّه‏ُ»۳، تتعمّد إخفاء مدّة حكومة إمام العصر عليه‏السلام، وتقوّي رأي آية اللّه‏ الصدر في تعمّد إخفائها.

ولكن لا يمكن التسليم بهذا الاحتمال ؛ لأنّه لو صحّ لوسع كلّ الأحاديث أن تسلك نهجه، لا أن يُعيّن بعضها أعواماً. ولو أراد النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وأهل البيت عليهم‏السلام إخفاء شيء لأشاروا إليه ـ حسب القاعدة ـ بكلمات غامضة ولم يذكروا سنوات محدّدة، كما لا يوجد إجبار في ذكر السنوات لكي يُحمل على التقيّة.

ولعلّ هذا هو السبب الذي دعا آية اللّه‏ الصدر إلى عدم تقوية هذا القول، وطرحه كمجرّد احتمال.۴

1.. بمعنى أن لا يتغيّر الزمان، ولكن ما سيحدث في تلك المدّة القصيرة من تحوّلات يعادل سبعين أو مئة وأربعين سنة.

2.. مثل: عبد اللّه‏ بن قاسم الحضرميّ وعبد الكريم بن عمرو الخَثعميّ.

3.. راجع: ص ۱۵۰ ح ۱۷۴۲.

4.. المهديّ علیه السلام : ص۲۳۸ ـ ۲۳۹.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8432
صفحه از 483
پرینت  ارسال به