263
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الخامس

الناس وحيدين، ولم يستطيعوا تحقيق قابليّاتهم الوجوديّة التي يتمتّعون بها، فيمكنهم الآن تحقيق تلك القابليّات وبلوغ الكمال اللاّئق بهم، وسينتفع سكّان العالم من هذا السبيل أيضاً.

وحُكم المؤنينن من الطراز الأوّل نظير ذلك أيضاً، فالذين حازوا قابليّات أكثر للعمل في سبيل الحقّ ولكنّهم تأخّروا في مسيرتهم بسبب مواقف أئمّة الكفر والنفاق، فهم أهلٌ لأن يعودوا إلى الحياة وينصروا دولة الحقّ، ويصلوا إلى مراتب أسمى في سيرهم نحو اللّه‏.

ويمكن تصوّر اختصاص هذه الفرصة بمن حاز طموحاً وفكراً متفوّقاً، وسما مستوى تفكيره على ما أُتيح له، ونوى تحقيق أعمال أعظم في سبيل الحقّ، وأمّا المتوسّطون من البشر، وهم من لم يتغيّر منهجهم وعملهم بتغيّر الظروف ومواصلة الحياة واكتفوا بما تيسّر لهم، فلا ضرورة لرجعتهم.

وبعبارة أُخرى: إنّ مقتضى العدل الإلهيّ توفير فرص العمل للجميع ؛ لكيلا يقول أحد يوم القيامة: لو تيسّرت لي أوضاع وفرص أُخرى لتمكّنت من جهاد أكثر في سبيل اللّه‏. وبناء عليه يكتفي أواسط الناس مؤنوهم وكفّارهم بما حصل، وتبقى مجموعتان من النخبة:

مجموعة الكفّار الذين استفادوا من جميع قابليّاتهم وفعلوا ما وَسِعهم فعله، وكانوا طلقاء الأيدي ولو عُمّروا أكثر لساروا على منوالهم السابق.

ومجموعة المؤنين من الطراز الأوّل الذين قُيِّدت أيديهم عن فعل كثير من الأعمال، ولم يستطيعوا تحقيق قابليّاتهم كافّة، والفرصة الوحيدة لأن يحقّقوا مثل تلك الإنجازات هي دولة العدل في آخر الزمان، فتقتضي حكمة اللّه‏ البالغة توفير نظير هذه الفرصة لهؤاء البشر الأخيار.۱

1.. يفترق هذا الموضوع عن مسألة اختلاف نسبة الثواب في دولة العدل المهدويّة وفي عصر الغيبة، فيقال فيمسألة الثواب: إن من عّد من ذوي الأعمال الصالحة في عهد الغيبة مع جميع مصاعب تلك الفترة، أحرز مزيداً من الثواب مقارنة بمن يفعل الأعمال ذاتها في زمن الظهور؛ لأنّ أسمى الأعمال أصعبها. قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: «أفضَلُ الأعمالِ أَضَرُّها ـ أي أَشَقُّها ـ » بحار الأنوار: ج ۶۰ ص ۲۹۳. وكذلك: «أَفضَلُ الأَعمالِ أَحمَزُها» (بحار الأنوار: ج ۷۰ ص۱۹۱ ، مفتاح الفلاح: ص ۴۵، النهاية لابن الأثير: ج ۱ ص۴۴۰ نقلاً عن ابن عبّاس بعبارة مشابهة)؛ وأمّا البحث في موضوع الرجعة فليس عن الثواب، بل توفّر الفرصة للمؤن الخالص لتفعيل عديد من قابليّاته التي لم يتمكّن من تفعيلها في عهد الغيبة.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الخامس
262

وتقبّله، وتمنع الإنكار المبنيّ على الجهل وفقدان المبرّرات. ويمكن تصوير عدّة حِكم للرجعة، هي:

۱. مكافأة الصالحين ومعاقبة المجرمين

يقوم نظام هذا العالم على أساس العدل۱، إذن فانتظار يومٍ في هذه الدنيا يعاقَب فيه الظالمون الذين أراقوا دماء الضعفاء، له ما يبرّره، نعم سيكون العقاب الأصليّ في الآخرة ؛ لأنّ الدنيا لا تستوعب بنحوٍ كافٍ مجازاة المجرمين۲، ولكن على أساس القاعدة العقليّة القائلة بأنّ «مالا يُدرك كُلُّه لا يُترك كُلُّه»، فتحسُن مجازاتهم هنا أيضاً وتلقّيهم لبعض عقابهم. وعلى هذا الأساس، حريّ بأن يرجع أفضل الأخيار وأسوأ الأشرار عند قيام دولة العدالة المهدويّة ؛ لينتقم الصالحون من الطالحين، ويشتركوا في إقامة العدل، ويشفوا صدورهم من سعير الظلم۳، وينالوا العزّ والسؤد، ويشهدوا أيّام دولة الحقّ وينعموا بها.

۲. تقوية الأمل وإعداد المنتظرين

الفائدة الأُخرى من العقيدة بالرجعة هي بعث الأمل والحراك في الجماعة المؤنة لبناء وإعداد ذاتها، فلو تمكّن المؤنون الخلّص من إدراك زمان دولة الحقّ الموعودين بها، فسوف يحثّ هذا الأمر الناس ليغدوا من مصاديق هؤاء المؤنين،كما يزداد أملهم، ويُدركون أنّ ما يتحمّلونه من مصاعب سيثمر في هذه الدنيا أيضاً.

۳. إيجاد فرصة عمل لعدد من الأخيار

إنّ أولياء اللّه‏ والرسل الذين لم يحرزوا توفيقاً كاملاً لدعم الحقّ ونصرته في حياتهم، وتركهم

1.. قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: «بِالعَدلِ قامَتِ السَّماواتُ وَ الأرضُ». عوالي اللآلي: ج ۴ ص ۱۰۳، تفسير الصافي: ج ۵ ص ۱۰۷.

2.. لأنّ من يقتل الآلاف من الأبرياء مثلاً، لا يُقتل في الدنيا إلاّ مرّة واحدة.

3.. وضّح هذا الموضوع عديدٌ من الروايات، منها حديث الإمام الرضا عليه‏السلام حيث قال: «وتَوَدُّ النّاسُ لَو كانُوا أَحيَاءًوَيَشفِي اللّه‏ُ صُدورَ قَومٍ مُؤمِنِينَ» الغيبة للطوسيّ : ص۴۴۰ ح ۴۳۱، بحار الأنوار: ج ۵۲ ص ۲۹۰ ح ۲۸.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الخامس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8264
صفحه از 457
پرینت  ارسال به