253
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الخامس

إنكاره سبباً للخروج عن المذهب۱. ولعلّ كثرة الأحاديث المتواترة لهذا الباب، وكون بعض منها معتبراً، هو ما تسبب في اعتبار عقيدة الرجعة من ضروريّات المذهب.

أما بعض المعاصرين فأنكر ضرورتها ورأى الاعتقاد بها متوقّفاً على إثبات أحاديثها۲، وكأنّهم يقصدون أنّ الاعتقاد بالرجعة ليس من أُصول المذهب مثل العدل والإمامة۳، وإلاّ فينبغي عدّها من أُصوله بسبب كمّية ونوعيّة أحاديثها بالرغم من كونها أحد الفروع الاعتقاديّة.۴

تاريخ بحث الرجعة

عُرف الاعتقاد بالرجعة منذ القرن الأوّل الهجريّ بين علماء الشيعة، فقد نقلت أحاديث عن الإمام زين العابدين عليه‏السلام تدلّ عليه، ووردت مزيد من الأحاديث في القرنين الثاني والثالث، وفي ذلك الوقت اعتُبر الاعتقاد بالرجعة من شعائر الشيعة بحيث عَرف ذلك المخالفون

1.. حقّ اليقين: ج ۲ ص ۳۵۴.

2.. مثل العلاّمة السيّد محسن الأمين في كتاب نقض الوشيعة: ص۴۷۳ ومحمّد جواد مغنيّة في الجوامع والفوارق بين السنّة والشيعة: ص ۳۰۲، ومحمّد رضا المظفّر في عقائد الإماميّة: ص ۸۴.

3.. كما صرّح بذلك في الجوامع والفوارق بين السنّة والشيعة: ص ۳۰۲.

4.. نظراً إلى أنّ تأليف كبار العلماء لكتبهم كان ردّاً على المخالفين، فيحتمل أنّ عرض هذا الرأي كان بسببعدم تفهّم المخاطب والتكلّم بمستواه نتيجة لذلك. وهذه الطريقة تستفاد من منهج الأنبياء في التبليغ . قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : «إنَّا مَعاشِرَ الأَنبِياءِ أُمِرنا أَن نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلى قَدرِ عُقولِهِم» الكافي : ج ۱ ص ۲۳ ح ۱۵ . كما انتهج هذه الطريقة أئمّة الشيعة أيضاً . فعلى سبيل المثال كان الإمام الصادق في إجابته لسؤل عن الأُمور العظيمة كالرجعة يجيب بأنّه ليس الوقت لمثل هذا الكلام ؛ بسبب عدم فهم المخاطب لمعنى الرجعة الصحيح : «عن زرارة قال : سَأَلتُ أبا عَبدِ اللّه‏ِ عليه‏السلام عَن هذِهِ الاُمورِ العِظامِ مِنَ الرَّجعَةِ وأشباهِها ، فَقالَ : إنَّ هذَا الَّذي تَسأَلُونَ عَنهُ لَم يَجِئ أَوانُهُ ، وَقَد قالَ اللّه‏ عز و جل : «بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ»يونس : ۳۹» (مختصر بصائر الدرجات : ص ۲۴ ، بحار الأنوار : ج ۵۳ ص۴۰ ح ۴) . كما ذكر العيّاشي كذلك في تفسيره مثل هذا السؤل والجواب نقلاً عن حمران عن الإمام الباقر عليه‏السلام (تفسير العيّاشي : ج ۲ ص ۱۲۲ ح ۲۰) . ويبدو أنّهما حديث واحد نُقل بطريقتين بسبب الشبه الكامل بين نصّ السؤل والإجابة .


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الخامس
252

وحصول رجوع جسمانيّ، وهي ليست مجرّد رجعة روحيّة كما يحدث لكثير من المؤنين استناداً إلى بعض الأحاديث الإسلاميّة ؛ حيث يُمنحون إذناً بالذهاب إلى أصحاب منازلهم في أوقات خاصّة ـ كالجمعة مثلاً ـ لمشاهدة أحوالهم، فهذه الرجعة الروحيّة غير الرجعة التي تعود فيها الروح إلى الجسد، ويبدأ الإنسان حياته الجسمانيّة من جديد.۱

ويستفاد من كلمات بعض قدماء الشيعة ـ كأقوال الطبرسيّ في مجمع البيان ـ أنّ أقلّية ضئيلة جدّاً من الشيعة فسّرت الرجعة بمعنى رجوع دولة وحكومة أهل البيت عليهم‏السلام، لا بمعنى رجعة أشخاص وإحياء أموات، وهو يعتقد بأن مخالفتهم لا تضرّ بالإجماع.۲

الرجعة والتشيّع

رأى علماء عديدون أنّ الاعتقاد بالرجعة هو من ضروريّات۳ المذهب الشيعيّ۴، وعدّ بعضٌ

1.. تختلف الرجعة الاصطلاحيّة عن الرجعة إلى الدنيا التي يطلبها بعض الكفّار وهم على مشارف الموت، إذ توجدبينهما أربعة فروق ستأتي في البحث عن «أدلّة وشبهات مخالفي الرجعة» راجع : ص ۲۷۹ .

2.. مجمع البيان: ج ۷ ص ۳۶۷.

3.. لـ «الضرورة» عدّة معان، واستُخدمت هنا بمعنىً غير قابل للانفكاك. وللاطّلاع على مختلف معاني الضرورة (راجع: جامع العلوم في اصطلاحات الفنون: ج ۲ ص ۲۶۴ ـ ۲۶۹).

4.. قال العلاّمة المجلسيّ في حقّ اليقين «بالفارسيّة» ج ۲ ص ۳۳۵: «إعلم، أنّ حقّانيّة الرجعة ممّا أجمعت عليه الشيعة الحقّة والفرقة المحقّة، بل هي من ضروريّات مذهبهم». وقال في بحار الأنوار ج ۵۳ ص ۱۲۳: «وظنّي أنّ من يشكّ في أمثالها فهو شاك في أئمّة الدين». وقال الشيخ الحرّ العامليّ في الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة (ص۶۰ ـ ۶۱): «فإنّ ثبوت الرجعة من ضروريّات مذهب الإماميّة عند جميع العلماء المعروفين والمصنّفين المشهورين، بل يعلم العامّة أنّ ذلك من مذهب الشيعة»، ثمّ ذكر أسماء عديد ممّن ألّف كتباً في باب الرجعة، وأوّلهم سليم بن قيس الهلاليّ الذي روى عن أمير المؤمنين عليه‏السلام، وقال في المصدر نفسه (ص ۶۴): «حتّى صرت ما أنا بيوم القيامة أشدّ يقيناً منّي بالرجعة»، ثمّ ذكر ما جرى من حوار بين مؤمن الطاق وأبي حنيفة في موضوع الرجعة، واستنتج في المصدر نفسه (ص۶۶) أنّ: «هذا كماترى أيضاً يدلّ على أنّ القول بالرجعة أمر معلوم من مذهب الإماميّة يعرفه المؤلف والمخالف، وهذا معنى ضروريّ المذهب، وهذا أعلى مرتبة من الإجماع». ولم يعتبر آيه‏اللّه‏ الشيخ جواد التبريزيّ الرجعة من أُصول المذهب، ولكن رآها يقينيّة بسبب الأخبار المعتبرة المتواترة إجمالاً (راجع: صراط النجاة: ج ۲ ص ۶۱۴).

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الخامس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8448
صفحه از 457
پرینت  ارسال به