وبالخصوص في مجال التوحيد والعدل يتشابه إلى حدّ كبير مع التقرير الذي قدّمه المعتزلة لهذه المسائل۱. وهذا التشابه قد يُعتبر ناشئاً من تأثّر المرتضى بهم.
ولكن تقدّم أنّ مجرّد التشابه لا يدلّ على التأثّر، فالتأثّر لا يَثبت إلّا إذا ثبت أنّ المرتضى اختار إحدی النظريات لمجرّد أنّ المعتزلة اختارتها وآمنت بها. أمّا إذا ثبت أنّه اختار النظرية لامتلاكه أدلّة خاصّة، مثل أخبار متواترة عن أهل البيت علیهم السّلام، أو إجماعات الإمامية، ففي هذه الصورة لا يمكن اعتباره تابعاً للمعتزلة لمجرّد وجود شبه بين ما اختاره وبين نظرية المعتزلة؛ لاحتمال أنّه اختار تلك النظرية بسبب ما كان يمتلكه من أدلّة مستقلّة وخاصّة، فلا يمكن اعتباره تابعاً لهم إلّا بعد نفي هذا الاحتمال. مثال ذلك: مسألة نفي الرؤية وحدوث الكلام، فسوف يأتي أنّ هناك روايات متواترة واردة عن الأئمّة علیهم السّلام، وإجماعات للإمامية تدلّ عليها، وبهذا تكون مصادر هاتين المسألتين واضحة، ولا يمكن اعتبار الإمامية أو المرتضى متأثّرين بالمعتزلة في هاتين المسألتين لمجرّد وجود تشابه بينهما في الرأي.
وقد قال أبو الحسين البصري - أحد أعلام المعتزلة المعاصرين للمرتضى - عند تعرّضه إلی بحث مشابه لبحثنا: «إنّ اتّباع المؤمنين هو الرجوع إلى قولهم لأنّهم قالوه، وليس اتّباعهم هو مشاركتهم في قولهم لأنّ دليلاً دلّ عليه. ألَا ترى أنّا لا نكون متّبعين لليهود في إثبات الصانع جلّ ثناؤه، وفي نبوّة موسى، وإن شاركناهم في اعتقادهم ذلك؛ لمّا لم نَصِر إلى ذلك لأجل قولهم»۲. أي أنّ مجرّد التشابه في إثبات الصانع لا يدلّ على تأثّر واتّباع المسلمين لليهود؛ فإنّ المسلمين لم يُثبتوا الصانع لأنّ اليهود قالوا بذلك، بل لأنّهم يمتلكون أدلّة خاصّة بهم على ذلك.
ثانياً: التشابه في الدليل: النوع الآخر من التشابه هو التشابه في الأدلّة المطروحة، فقد يقال إنّ المرتضى كان يستعمل نفس الأدلّة التي وضعها المعتزلة لتأييد أفكارهم ونظرياتهم، وهذا يعني أنّه متأثّر بهم، وتابع لهم، وليس له غنى عنهم.