95
الشريف المرتضى و المعتزلة

ولكنّ الصحيح أن يقال: عندما يتبنّى كلّ باحث نظرية من النظريات، فهو يحاول أن يدعمها ويقوّيها من خلال الاستدلال عليها، وزيادة عدد الأدلّة التي يقيمها عليها، ولهذا قد يقوم باستعارة أدلّة من الآخرين، مع أنّه من الممكن أن يكون هناك دليل واحد فقط - غير الأدلّة التي استعارها من الآخرين - هو الذي دعاه في الحقيقة إلى اختيار النظرية. ولهذا لا يمكن اعتبار استعارة الأدلّة في نفسه دليلاً على تأثّر المستعير في النظرية التي تبنّاها بمن استعار الأدلّة منه.

إذن مجرّد التشابه في الأدلّة لا يدلّ على التأثّر في أصل النظرية، ومثال ذلك: ما قاله الشيخ المفيد بهذا الصدد: «واتّفقت الإمامية على أنّ العقل محتاج في علمه ونتائجه إلى السمع، وأنّه غير منفكّ عن سمع ينبّه العاقل على كيفية الاستدلال، وأنّه لابدّ في أوّل التكليف وابتدائه في العالم من رسول. ووافق في ذلك أصحاب الحديث. وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية على خلاف ذلك، وزعموا أنّ العقول تعمل بمجرّدها من السمع والتوقيف، إلّا أنّ البغداديين من المعتزلة خاصّة يوجبون الرسالة في أوّل التكليف، ويخالفون الإمامية في علّتهم لذلك، ويثبتون عللاً يصحّحها الإمامية ويضيفونها إلى علّتهم فيما وصفناه»۱. فهو هنا ينصّ على أنّ معتزلة بغداد يتبنّون نفس النظرية التي يتبنّاها الإمامية، وخاصّة في أوّل التكليف، إلّا أنّهم يقيمون أدلّة غير الدليل الذي أقامه الإمامية، وأنّ الإمامية يصحّحون أدلّة البغداديين، ويضيفونها إلى دليلهم. إذن للإمامية دليلهم الخاصّ وهو الذي دعاهم إلى الإيمان بالنظرية، ومجرّد تصحيحهم لأدلّة المعتزلة وتبنّيهم لها لا يدلّ على أنّ الإمامية تابعون لهم في هذه النظرية.

وفي الحقيقة إنّ استعارة الأدلّة من الآخرين مسألة عادية وطبيعية ومتعارفة بين الباحثين، وهي التي قد اصطلح عليها بعض الباحثين باسم: «تبادل الأسلحة»۲، فالدليل كالسلاح الذي يتسلّح به الباحث للدفاع عن رأيه ونظريته، وقد يستعير

1.. المفيد، أوائل المقالات، ص۴۴-۴۵.

2.. سامي النشّار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج۲، ص۲۰.


الشريف المرتضى و المعتزلة
94

وبالخصوص في مجال التوحيد والعدل يتشابه إلى حدّ كبير مع التقرير الذي قدّمه المعتزلة لهذه المسائل۱. وهذا التشابه قد يُعتبر ناشئاً من تأثّر المرتضى بهم.

ولكن تقدّم أنّ مجرّد التشابه لا يدلّ على التأثّر، فالتأثّر لا يَثبت إلّا إذا ثبت أنّ المرتضى اختار إحدی النظريات لمجرّد أنّ المعتزلة اختارتها وآمنت بها. أمّا إذا ثبت أنّه اختار النظرية لامتلاكه أدلّة خاصّة، مثل أخبار متواترة عن أهل البيت علیهم السّلام، أو إجماعات الإمامية، ففي هذه الصورة لا يمكن اعتباره تابعاً للمعتزلة لمجرّد وجود شبه بين ما اختاره وبين نظرية المعتزلة؛ لاحتمال أنّه اختار تلك النظرية بسبب ما كان يمتلكه من أدلّة مستقلّة وخاصّة، فلا يمكن اعتباره تابعاً لهم إلّا بعد نفي هذا الاحتمال. مثال ذلك: مسألة نفي الرؤية وحدوث الكلام، فسوف يأتي أنّ هناك روايات متواترة واردة عن الأئمّة علیهم السّلام، وإجماعات للإمامية تدلّ عليها، وبهذا تكون مصادر هاتين المسألتين واضحة، ولا يمكن اعتبار الإمامية أو المرتضى متأثّرين بالمعتزلة في هاتين المسألتين لمجرّد وجود تشابه بينهما في الرأي.

وقد قال أبو الحسين البصري - أحد أعلام المعتزلة المعاصرين للمرتضى - عند تعرّضه إلی بحث مشابه لبحثنا: «إنّ اتّباع المؤمنين هو الرجوع إلى قولهم لأنّهم قالوه، وليس اتّباعهم هو مشاركتهم في قولهم لأنّ دليلاً دلّ عليه. ألَا ترى أنّا لا نكون متّبعين لليهود في إثبات الصانع جلّ ثناؤه، وفي نبوّة موسى، وإن شاركناهم في اعتقادهم ذلك؛ لمّا لم نَصِر إلى ذلك لأجل قولهم»۲. أي أنّ مجرّد التشابه في إثبات الصانع لا يدلّ على تأثّر واتّباع المسلمين لليهود؛ فإنّ المسلمين لم يُثبتوا الصانع لأنّ اليهود قالوا بذلك، بل لأنّهم يمتلكون أدلّة خاصّة بهم على ذلك.

ثانياً: التشابه في الدليل: النوع الآخر من التشابه هو التشابه في الأدلّة المطروحة، فقد يقال إنّ المرتضى كان يستعمل نفس الأدلّة التي وضعها المعتزلة لتأييد أفكارهم ونظرياتهم، وهذا يعني أنّه متأثّر بهم، وتابع لهم، وليس له غنى عنهم.

1.. انظر بحث (الإرادة) من هذا الکتاب.

2.. البصري، المعتمد في أصول الفقه، ج۲، ص۸-۹.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1161
صفحه از 275
پرینت  ارسال به