ظاهرتين تاريخيتين متعاقبتين زمنياً أدّى بالمؤرّخ إلى الجزم بأنّ بينهما تأثيراً متبادلاً، حيث جعل الظاهرة المتأخّرة متأثّرة بالمتقدّمة عليها.
وقد يبدو هذا الأسلوب في الوهلة الأولى صحيحاً ومنطقياً، وهو مستعمل في الحياة اليومية، فعندما يشاهد الأستاذ أنّ طالبَين من طلابه قد أجابا في الامتحان عن جميع الأسئلة بطريقة واحدة ومتشابهة، بحيث كانت كلماتهم أيضاً متشابهة ومتطابقة، فإنّه يجزم مباشرة بأنّ أحدهما قد اعتمد في الإجابة على الآخر، وقام بنقل الأجوبة من ورقة صديقه.
ولكن ينبغي التأكيد على نقطة، وهي أنّه إذا رجعنا إلى المثال السابق نقول: إذا اكتشف المؤرّخ بعد ذلك أنّ هناك مسجداً في دمشق قد بُني سنة ۱۰۰ للهجرة بنفس الأسلوب والطريقة التي بُني بها مسجدا بغداد وغرناطة، فسوف يضطرّ إلى تغيير حكمه السابق؛ باعتبار أنّه مع وجود مسجد دمشق سيوجد الاحتمال التالي، وهو أن يكون مسجد غرناطة متأثّراً بمسجد دمشق لا بغداد، بل يحتمل أنّ كُلّاً من مسجدَي بغداد وغرناطة قد تأثرا بمسجد دمشق.
ونستنتج من ذلك أنّ مجرّد التشابه لا يقتضي بالضرورة وجودَ تأثّر بين المتشابهَين، بل عند وجود التشابه يحصل احتمالان: الأوّل: أنّ هناك تأثيراً لإحدى الظاهرتين في الأخرى. والثاني: أنّ هناك عاملاً ثالثاً هو السبب المشترك الذي أدّى إلى حصول تشابه بين الظاهرتين. أي لا توجد علاقة تأثّر وتأثير بين الظاهرتين، بل هما معلولتان لعلّة ثالثة مشتركة، وتلك العلّة هي التي أنتجت أثراً متشابهاً، ما أدّى إلى إنتاج ظاهرتين متشابهتين. إذن هناك احتمالان متوازيان لسبب حصول التشابه بين الظاهرتين، وهما احتمال التأثّر المباشر، واحتمال وجود علّة ثالثة مؤثّرة في الطرفين. وهذان الاحتمالان متساويان، وواقعان على طرفي نقيض، فهما بحسب اللّغة المنطقية متناقضان.
وبعبارة أخرى، إنّ للتّشابه بين الظاهرتين علّة، وهذه العلّة لا تخلو إمّا أن تكون هي التأثّر بالظاهرة السابقة تاريخياً، وإمّا أن لا تكون كذلك، بمعنى أنّ التأثّر بظاهرة