الفصل الأوّل:
تحليل ظاهرة «التأثّر الفكري» من خلال التقدّم والتأخّر التاريخي
من أهمّ الأسس التي بُنيت عليه إشكالية اتّهام المرتضى بالاعتزال هو فكرة وجود تشابه كبير بين أفكاره وآراء المعتزلة، وهذا التشابه يظهر تارةً في النظريات التي تبنّاها، وأخرى في الأدلّة التي اعتمدها، وثالثة في أسلوب الكلام والمفردات التي استعملها، فهو - حسب صاحب القول بتأثّره بالمعتزلة - قد شابَهَ المعتزلة في هذه الأمور كلّها، ولهذا حُكم عليه بتأثّره بهم.
إنّ فكرة تأثّر فكر شخصٍ بآخر تعتمد بالدرجة الأولى على أساليب علم التاريخ التي تحاول أن تربط بين التشابه في المعطيات بين ظاهرتين تاريخيتين من جهة، وبين وجود تأثير وتأثّر بينهما من جهة أخرى. فعندما يلاحظ المؤرّخ وجود تشابه بين ظاهرتين تاريخيتين متعاقبتين في الزمن، ويجد بينهما شَبَهاً كبيراً ودقيقاً، فإنّه يجزم بأنّ الظاهرة المتأخّرة زمنياً قد اقتبست ما عندها من المتقدّمة زمنياً، فلو شاهد المؤرّخ مسجداً في بغداد قد بُني سنة ۲۰۰ للهجرة، ويحتوي بناؤه على زخارف معيّنة، ثم شاهد مسجداً آخر في غرناطة قد بُني سنة ۳۰۰ للهجرة، ويحتوي على زخارف تتطابق إلى حدّ كبير جدّاً مع زخارف المسجد السابق، فسوف يجزم مباشرة بأنّ الفنّان الذي قام بزخرفة المسجد الثاني قد استفاد من خبرة الفنّان الذي بنى المسجد الأوّل، إمّا من خلال مشاهدة المسجد الأوّل، أو من خلال التعلّم عند تلاميذ ذلك الفنّان، أو غير ذلك من طرق الاقتباس. إذن التشابه في المعطيات بين