87
الشريف المرتضى و المعتزلة

للمرتضى، وهو يدلّ على عدم اعتقادهم بكونه منهم، ولو كانوا يؤمنون بذلك لما أهملوا ذكره، فهو ليس شخصية عادية يخفى ذكرها في البحوث العلمية.

والجدير بالذكر، أنّ عدم ذكر المعتزلة للمرتضى لا يدلّ على عدم معرفتهم به وبتراثه، فقد كانوا عارفين به بصورة جيّدة، ولهذا قاموا بكتابة ردود على تراثه الكلامي المتعلّق ببحوث الإمامة والغيبة، والتي يختلف فيها معهم بصورة جذرية، فقد كتب أبو الحسين البصري ردّاً على كتاب «الشافي في الإمامة»، و«المقنع في الغيبة» للمرتضى۱، كما كتب أحد علماءالزيدية - وهم ذوو نزعة اعتزالية - في منتصف القرن الخامس في نيسابور، واسمه أبو القاسم محمّد بن أحمد بن مهدي العلوي الحسني النيسابوري، ردّاً على كتاب «المقنع في الغيبة»، سمّاه: «الردّ المكتفي على مَن يقول بالإمام المختفي»۲. وهذا يدلّ على أنّهم كانوا عارفين بالمرتضى وتراثِهِ، لكن عدم اهتمامهم بآرائه الكلامية الأخرى يدلّ على عدم إيمانهم بكونه منهم.

بلى هناك إشارة إلى المرتضى من قبل الحاكم الجشمي وبتبعه أحمد ابن المرتضى، حيث ذكرا اسمَ الشريف المرتضى في ضمن رجالات المعتزلة وأعلامهم، وجعلاه في الطبقة الثانية عشرة من طبقاتهم۳. ولكنّ هذا الأمر قد يكون ناشئاً من اجتهاد شخصي منهما، حيث اعتبرا كلّ من يقول بالعدل والتوحيد من المعتزلة، حتّى إنّ ابن المرتضى عدّ الخلفاء الأربعة الأوائل والإمامَين الحسن والحسين علیهما السّلام في الطبقات الأولى للمعتزلة!!۴ مع أنّ المعتزلة قد ظهرت بعدهم بفترة طويلة. إضافة إلى أنّ هذه الإشارة لا تقف أمام كلّ ذلك الإهمال الواضح لأفكار المرتضى وآرائه من قبل أعلام المعتزلة ورجالاتهم المعاصرين له، أو المتأخّرين عنه.

1.. ابن المرتضى، طبقات المعتزلة، ص۱۱۹.

2.. انظر مقال حسن الأنصاري على موقع كاتبان (kateban.com)، وعنوانه بالفارسية: «يک رديه كهنسال زيدى از نيشابور سده پنجم بر كتاب المقنع شريف مرتضى درباره مسئله غيبت امام».

3.. الحاكم الجشمي، شرح العيون (ضمن كتاب: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة)، ص۳۸۳؛ ابن المرتضى، طبقات المعتزلة، ص۱۱۷.

4.. ابن المرتضى، طبقات المعتزلة ، ص۱۵.


الشريف المرتضى و المعتزلة
86

و«أصحابنا معشرَ الإمامية». وقوله عند كلامه عن الشيخ الكليني - وهو من كبار علماء الإمامية -: «فكم روى هذا الرجل وغيرُه من أصحابنا (رحمهم الله تعالى)...الخ». وقوله عند حديثه عن غيبة الإمام المهدي علیه السّلام: «قد أجاب أصحابنا عن هذا السؤال بأنّ علّة غيبته عن أوليائه...الخ»۱.

والتعبير بـ (أصحابنا) تعبيرٌ له مغزاه وثقله، فهو يدلّ على إيمان عميق بالانتماء إلى هذه الفرقة الشيعية المهمّة. ولكن لا نجد هكذا تعبير له تجاه علماء المعتزلة، وهو يدلّ على عدم إيمانه بانتمائه إليهم.

۲. هناك تعابير على العكس من التعبير السابق، تدلّ على تضادّ وعداوة المرتضى للمعتزلة، فهو يصفهم تارة بـ (الخصوم)، فيقول: «خصومنا من المعتزلة»۲، وأخرى يعبّر بتعبيرات تدلّ على وجود نزاع له معهم، مثل قوله: «واعلم أنّ الخلاف بيننا وبين المعتزلة...الخ»۳، أو قوله عن أبي هاشم الجبّائي - الذي ادّعى البعض أنّ المرتضى من أتباعه حتّى وُصف بالبهشمي -: «وقد أبى ذلك قوم من أصحابه»۴، وهو يدلّ على أنّ المرتضى لا يرى نفسه من أصحابه.

ثانيا: رأيُ المعتزلة حول اعتزالية المرتضى: المطالع لتراث المعتزلة المدوّن في زمن المرتضى وبعده، يجد إهمالاً ذا مغزى للمرتضى وآرائه، فلا يوجد في تراثهم أيّ ذكر لاسمه أو لقول من أقواله، أو كتاب من كتبه. فالمطالِع لكتب أبي رشيد النيسابوري، وبالتحديد كتاب «المسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين»، و«كتاب التوحيد»، وكتب ابن الملاحم الخوارزمي «المعتمد» و«الفائق»، وكتاب «الكامل في الاستقصاء» لتقيّ الدين النجراني، وغيرها من تراث المعتزلة لا يجد ذكراً

1.. المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل الطرابلسيات الثانية)، ج۱، ص۳۱۲؛ المصدر السابق، (جوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة)، ج۱، ص۴۰۰، ۴۱۰؛ المرتضی، المقنع في الغيبة، ص۶۱؛ المرتضی، تنزيه الأنبياء والأئمّة علیهم السّلام، ص۲۲۷.

2.. المرتضی، الشافي في الإمامة، ج۳، ص۸.

3.. المرتضی، تنزيه الأنبياء والأئمّة علیهم السّلام، ص۲۸.

4.. المرتضی، الذخيرة، ص۲۱۳.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1130
صفحه از 275
پرینت  ارسال به