85
الشريف المرتضى و المعتزلة

التفاصيل التي تخصّ مسألة التوحيد والعدل تفيدنا بأنّ كلّاً منهما يتّفق مع إحدى مدرستَي الاعتزال، فالشيخ المفيد مع المدرسة البغدادية، والشريف المرتضى مع المدرسة البصرية»۱.

إنّ هذا الأمر يتطلّب تتبّع المسائل التي قيل إنّ الشيعة - وبالتحديد الشريف المرتضى الذي تشكّل آراؤه محورَ بحثنا - يتّفقون فيها مع المعتزلة، وخاصّة المسائل التي ادُّعي أنّ المرتضى يتّفق فيها مع معتزلة البصرة؛ ليتّضح هل كان المرتضى متأثّراً حقّاً بهم، أم كانت لديه مصادره ومبانيه الخاصّة التي أدّت به إلى تبنّي نظرية متوافقة مع المعتزلة؟ إضافة إلى ضرورة دراسة موارد الاختلاف بين المرتضى والمعتزلة، وخاصّة معتزلة البصرة، ونعني بها مدرسة أبي عليّ وأبي هاشم الجبّائيَّين، والتي مثّلها القاضي عبد الجبّار المعتزلي. وسوف نخصّص فصلاً - قد يكون هو الأكبر من بين فصول الکتاب - لهذا البحث.

۵. رأي المرتضى والمعتزلة حول فكرة (اعتزالية المرتضى)

بعد أن تعرّفنا على الأقوال المتعدّدة حول اتّهام المرتضى بمتابعة المعتزلة، وجدنا من المناسب في هذا المقام أن نتطرّق إلى رأي المرتضى من ناحية، والمعتزلة من ناحية أخرى حول هذه الإشكالية، فهل كان المرتضى يَعتبر نفسه تابعاً للمعتزلة، أو كان يَعتبر نفسه منهم؟ وهل ينظر المعتزلة إلى المرتضى كواحدٍ منهم؟ إنّ أفضل من يستطيع أن يبدي رأيه في هذا الأمر هما طرفا النزاع أنفسهم، إذن هل كانوا يؤمنون بذلك حقّاً؟

أوّلاً: رأيُ المرتضى حول اعتزاليته: إنّ الدارس لفكر المرتضى والقارئ لتراثه الضخم لا يجد ما يدلّ على إيمانه بانحيازه إلى معسكر المعتزلة، واعتبار نفسه واحداً منهم، بل يجد العكس، وهو أنّ المرتضى كان يرى نفسه واقفاً في معسكر الإمامية، وفي جبهة مضادّة للمعتزلة. ويمكن إيراد شواهد عديدة على هذا الكلام:

۱. يصف المرتضى عادة علماء الإمامية بالأصحاب، فكثيراً مّا يكرّر هذا التعبير، ويصف الإمامية بكلمة (أصحابنا)، كما في قوله: «قال أصحابنا الإمامية»،

1.. مكدرموت، نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد، ص۴۹۰.


الشريف المرتضى و المعتزلة
84

محمّد النوبختيَّين - لوجدنا أنّهم كانوا من المؤمنين بالتوحيد والعدل؛ فلأبي سهل كتاب في التوحيد، وآخر في الردّ على المجبرة في المخلوق۱، ولأبي محمّد كتاب في الردّ على المجسّمة۲. ونفس الأمر ينطبق على المرتضى، فقد كان من المؤمنين بهذين الأصلين إيماناً قوياً.

وبهذا يمكن القول إنّ أحد أسباب اتّهام المرتضى بالاعتزال هو اعتقاده بالتوحيد والعدل، وهو أمرٌ يتطلّب البحث عن جذور هذين الأصلين، وهل هما من مختصّات المعتزلة حقّاً، وهل أنّ قدماء الإمامية لم يَعرفوا هذين الأصلين، وإنّما اقتبسه الإمامية فيما بعد من المعتزلة؟ إنّ هذا البحث التاريخي يشكّل أحد بحوث هذا الكتاب.

الثالث: متابعة المعتزلة في آرائهم الكلامية: إنّ أحد معاني الاتّهام بالاعتزال يمكن أن يكون عبارة عن وجود عدد كبير من المسائل والآراء الكلامية المشتركة مع المعتزلة. فإذا كان الشيعة أو المرتضى يتّفقون في الكثير من المسائل الكلامية مع المعتزلة، فهذا يعني أنّهم صاروا معتزلة.

وهذه الطريقة أيضاً صارت محلّ اهتمام من قبل بعض الباحثين، مثل الدكتور أحمد أمين، حيث قال عند حديثه عن الشيعة: «وهم يقولون في كثير من مسائل أصول الدين بقول المعتزلة، فقد قال الشيعة كما قال المعتزلة بأنّ صفات الله عين ذاته، وبأنّ القرآن مخلوق، وبإنكار الكلام النفسي، وإنكار رؤية الله بالبصر، كما وافق الشيعة المعتزلة في القول بالحسن والقبح العقليين، وبقدرة العبد واختياره، وأنّه تعالى لا يصدر عنه قبيح، وأنّ أفعاله معلّلة بالعلل والأغراض»۳. ومثل مارتن مكدرموت حيث بنى كتابه حول الشيخ المفيد على تتبّع المسائل التي اتّفق فيها المفيد مع المعتزلة، ليصل إلى هذه النتيجة عند مقارنته بين الشيخ المفيد والمرتضى وبين المعتزلة، فيقول: «إنّ دراسة الاختلافات بين هذين المتكلمَين في كثير من

1.. النجاشي، رجال النجاشي، ص۳۱، ۳۲.

2.. المصدر السابق، ص۶۴.

3.. أمين، ضحى الإسلام، ص۶۸۳-۶۸۴.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1007
صفحه از 275
پرینت  ارسال به