التفاصيل التي تخصّ مسألة التوحيد والعدل تفيدنا بأنّ كلّاً منهما يتّفق مع إحدى مدرستَي الاعتزال، فالشيخ المفيد مع المدرسة البغدادية، والشريف المرتضى مع المدرسة البصرية»۱.
إنّ هذا الأمر يتطلّب تتبّع المسائل التي قيل إنّ الشيعة - وبالتحديد الشريف المرتضى الذي تشكّل آراؤه محورَ بحثنا - يتّفقون فيها مع المعتزلة، وخاصّة المسائل التي ادُّعي أنّ المرتضى يتّفق فيها مع معتزلة البصرة؛ ليتّضح هل كان المرتضى متأثّراً حقّاً بهم، أم كانت لديه مصادره ومبانيه الخاصّة التي أدّت به إلى تبنّي نظرية متوافقة مع المعتزلة؟ إضافة إلى ضرورة دراسة موارد الاختلاف بين المرتضى والمعتزلة، وخاصّة معتزلة البصرة، ونعني بها مدرسة أبي عليّ وأبي هاشم الجبّائيَّين، والتي مثّلها القاضي عبد الجبّار المعتزلي. وسوف نخصّص فصلاً - قد يكون هو الأكبر من بين فصول الکتاب - لهذا البحث.
۵. رأي المرتضى والمعتزلة حول فكرة (اعتزالية المرتضى)
بعد أن تعرّفنا على الأقوال المتعدّدة حول اتّهام المرتضى بمتابعة المعتزلة، وجدنا من المناسب في هذا المقام أن نتطرّق إلى رأي المرتضى من ناحية، والمعتزلة من ناحية أخرى حول هذه الإشكالية، فهل كان المرتضى يَعتبر نفسه تابعاً للمعتزلة، أو كان يَعتبر نفسه منهم؟ وهل ينظر المعتزلة إلى المرتضى كواحدٍ منهم؟ إنّ أفضل من يستطيع أن يبدي رأيه في هذا الأمر هما طرفا النزاع أنفسهم، إذن هل كانوا يؤمنون بذلك حقّاً؟
أوّلاً: رأيُ المرتضى حول اعتزاليته: إنّ الدارس لفكر المرتضى والقارئ لتراثه الضخم لا يجد ما يدلّ على إيمانه بانحيازه إلى معسكر المعتزلة، واعتبار نفسه واحداً منهم، بل يجد العكس، وهو أنّ المرتضى كان يرى نفسه واقفاً في معسكر الإمامية، وفي جبهة مضادّة للمعتزلة. ويمكن إيراد شواهد عديدة على هذا الكلام:
۱. يصف المرتضى عادة علماء الإمامية بالأصحاب، فكثيراً مّا يكرّر هذا التعبير، ويصف الإمامية بكلمة (أصحابنا)، كما في قوله: «قال أصحابنا الإمامية»،