83
الشريف المرتضى و المعتزلة

للتشيّع، وأكثر تحكيماً للعقل»۱. فقد جعل الدكتور أمين معيار الاعتزال عبارة عن تحكيم العقل.

وقال بعض الباحثين المعاصرين أيضاً: «وإلى جانب المعتزلة - بصفتهم أصحاب نزعة عقلية في الإسلام - يقف الإمامية الاثنى عشرية موقفاً مماثلاً لهم... الخ»۲.

وقد كان المرتضى ممّن يعطون أهميّة كبيرة للعقل، فيعتمد على نتائجه في معرفة المسائل العقائدية، ويَعتبر دلالته أقوى من غيره۳، ويقدّمه على النصّ إذا حصل تعارض فيما بينهما۴.

ولكن هل كان المعتزلة هم الوحيدين ممّن يؤمن بقيمة العقل؟ وهل قام المرتضى باقتباس المنهج العقلي منهم، أم كانت له مصادره الخاصّة التي تدفعه إلى الإيمان بقيمة العقل؟ إنّ هذه المسألة تتطلّب فتح فصل مستقلّ لدراسة المنهجية العقلية عند المرتضى، وسائر أدوات البحث المعتمَدة عنده، وهو ما سوف نتعرّض إليه إن شاء الله من خلال بحوث هذا الكتاب.

الثاني: القول بالتوحيد والعدل، ونفي التجسيم والجبر: لقد آمن المعتزلة بالتوحيد - بمعنى نفي الجسمية ونفي التشبيه - والعدل - بمعنى اختيار الإنسان في أفعاله - إيماناً عميقاً، حتّى اعتبروه شعاراً لهم۵، وأخذوا يفاخرون به، ويرمون الآخرين بالتجسيم والجبر۶. وبذلك صار القول بالتوحيد والعدل عَلَماً على المعتزلة، حتى صار كلّ من يؤمن بهذين الأصلين الهامَّين تُلصَق به تهمة الاعتزال.

وإذا تأمّلنا في الشخصيات التي ادُّعي أنّها من المعتزلة - مثل أبي سهل وأبي

1.. أمين، ظهر الإسلام، ص۶۲۷.

2.. الإدريسي، قضايا في الفكر الإسلامي، ص۱۵۷.

3.. المرتضى، تنزيه الأنبياء والأئمّة علیهم السّلام، ص۵۰.

4.. المصدر السابق، ص۱۶۸.

5.. أبو حاتم الرازي، كتاب الزينة، ج۳، ص۵۰.

6.. الخيّاط، الانتصار، ص۳۵.


الشريف المرتضى و المعتزلة
82

بن سعيد الغامدي بتأليفها في جامعة أمّ القرى سنة ۱۴۳۴ه‍ . ولم يركّز الكاتب على اتّهام المرتضى بالاعتزال، لكنّه قام بنقد أفكاره ومناقشتها من منظار سلفي خاصّ، وبأسلوب ممجوج وجافّ، اعتدنا عليه بالنسبة إلى الدراسات القادمة من هناك.

۱۱. كلام شيعه، كلام معتزله (بالفارسية): تأليف مريم كياني فريد، وهو كتاب قام بالمقارنة بين الآراء الكلامية للشيعة والمعتزلة في القرنين الرابع والخامس، وقد أشارت المؤلّفة في ضمن أبحاث الكتاب إلى بعض آراء الشريف المرتضى، وبيّنت الفروق بين فكره والمعتزلة. وخلصت الباحثة في هذا الكتاب إلى أنّ الشيعة قد استفادوا من الفكر المعتزلي في ترتيب الأبحاث، وفي بعض المسائل، وفي إدخال العقل في صلب البحث الكلامي، ولكن بسبب اختلافهم العميق مع المعتزلة في المباني والمصادر ومنهجيّة البحث، أدّى ذلك إلى أن ينتهوا إلى نتائج مختلفة عن المعتزلة، وبذلك حافظ الشيعة على استقلالهم الكلامي.

۴. معاني اتّهام الشيعة والمرتضى بالاعتزال

لكي يصبح اتّهام الشيعة بصورة عامّة، والمرتضى بصورة خاصّة بالاعتزال أمراً معقولاً، ينبغي إرجاعه إلى أحد المعاني التالية:

الأوّل: اتّباع المنهجيّة العقلية: لقد عُرف المعتزلة منذ القِدم بأنّهم من أتباع المنهج العقلي، وأنّهم كانوا يعيرون أهمية كبرى للعقل، فهم على خلاف أهل الحديث لا يقتصرون على فهم ظاهر النصوص، بل يُعمِلون عقلهم في محاولةٍ لفهم المسائل العقائدية. وإذا تعارض ظاهر النصوص مع ما توصّلت إليه عقولهم، فقد كانوا يرجّحون عقلهم على ظاهر النصّ. وقد تحوّل المنهج العقلي إلى عَلَمٍ على المعتزلة، وصاروا يُعرفون به۱، وبذلك صار كلّ من يتّبع هذا المنهج يُرمى بالاعتزال.

وقد أشار بعض الباحثين إلى هذا المعنى من الاعتزال، فقد قال الدكتور أحمد أمين: «وكان قاضي القضاة عبد الجبّار شيعياً معتزلياً، ومعنى هذا أنّه أقلّ تعصّباً

1.. أبو زيد، المنحى الاعتزالي في البيان وإعجاز القرآن، ص۳۵-۳۹.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1090
صفحه از 275
پرینت  ارسال به