77
الشريف المرتضى و المعتزلة

بصرية بهشمية).

إنّ طباعة ونشر هذه الكتب أدّت إلى تقوية الهمهمات التي كانت تدور على ألسنة البعض من اتّهام المرتضى بالاعتزال، والتي لم يكن لها قبل ذلك الوقت ما يبرّرها بصورة كبيرة. وقد أدّى ذلك إلى أن يجعل الباحثَ في تاريخ الكلام الإمامي، وتاريخ مدرسة بغداد الإمامية على الخصوص، وتاريخ المرتضى بالتحديد، يَطرح هذه التساؤلات: هل كان المرتضى متأثّراً حقّاً بالاعتزال بصورة عامّة، وخاصّة البصري البهشمي منه؟ وهل كان تابعاً محضاً لهذه المدرسة، أم كانت له ميزاته الخاصّة التي تميّزه عن مدرسة الاعتزال، وتؤهّله لأن يكون من متكلّمي الشيعة الإمامية؟ وهل حاول أن يقترب من المعتزلة في سبيل أن يقتبس منهم أفكاراً ليدعم مدرسته الشيعية الإمامية؟ وإذا كان المرتضى تابعاً للمعتزلة، فلماذا نراه يقترب منهم في بعض الأفكار، ويبتعد عنهم كلّ البعد في أفكار أخرى؟ وأخيراً وليس آخراً، إذا كان تابعاً محضاً لهم، فكيف يمكن الحديث عن مدرسة كلامية للإمامية إلى جانب مدرسة الاعتزال، خاصّة وأنّ المرتضى ليس شخصية عادية، فتأثّره بالمعتزلة يعني تأثّر الإمامية الذين جاؤا بعده بهم أيضاً؟ إلى غير ذلك من التساؤلات التي أخذت تطرح نفسها على الباحث في تاريخ الشيعة الإمامية، والتي نحاول تقديم الإجابة عليها من خلال هذا البحث.

۳. الدراسات التي تطرّقت للبحث

لم تُخصّص دراسات وافرة حول بحث تأثّر المرتضى بالمعتزلة، سواء بالإثبات أو النفي، سوى أنّه يمكن رصد مجموعة من البحوث التي تعرّضت للموضوع بصورة مباشرة - وهي قليلة - أو غير مباشرة، أي في ضمن البحث عن علاقة الشيعة الإمامية بصورة عامّة مع المعتزلة، فقد تعرّض هذا النوع من البحوث ضمناً لعلاقة المرتضى معهم كأحد متكلّمي الإمامية.

وفيما يلي سرد واستعراض لأهمّ هذه البحوث:

۱. الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة، للسيّد هاشم معروف الحسني: يعتبر هذا


الشريف المرتضى و المعتزلة
76

المعتزلي، وخاصّة تلك الأجزاء المتعلّقة بالإمامة، فقد ظهر المرتضى في هذا الكتاب كنِدًّ للقاضي ولمدرسة الاعتزال بصورة عامّة، فقام بمناقشة جميع الإشكالات التي وجّهها القاضي لفكرة الإمامة عند الشيعة، وبذلك ترك كتاباً مفصّلاً صار أساساً للكتابات الشيعية التي جاءت بعده، والتي تطرّقت لموضوع الإمامة. إذن لقد صارت الصورة الكلامية للشريف المرتضى في القرون الأخيرة معروفة بشكل رئيسي من خلال كتابه «الشافي»، أي صورة المتكلّم الإمامي الذي يقف في المعسكر المقابل للمعتزلة، والذي يبتعد عنهم كلّ البُعد.

كما يجب أن لا ننسى أنّ المرتضى كان معروفاً في القرون الأخيرة أيضاً من خلال كتابه: «تنزيه الأنبياء والأئمّة علیهم السّلام»، إلّا أنَّ هذا الكتاب لا يعكس صورةً اعتزالية أو غير اعتزالية للمرتضى. بلى، كانت هناك بعض الرسائل المنتشرة في المكتبات، إضافة إلى رسالة «جُمل العلم والعمل» التي قد تعكس صورة اعتزالية إلى حدّ مّا، إلّا أنّ صِغر حجم هذه الرسائل، وعدم طباعة الكثير منها، لم تؤدّ إلى إلفات النظر۱.

ولكن منذ اكتشاف وطباعة بعض كتب ورسائل المرتضى قبل بضعة عقود، وخاصّة كتابَي: «الذخيرة» (طبع سنة ۱۴۱۱ه‍ )، و«الملخّص» (طبع حوالي سنة ۱۴۲۳ه‍ ) أخذت صورة جديدة للمرتضى تظهر للعيان، صورة تقترب إلى حدّ بعيد من المعسكر المعتزلي، وتتّفق معه في الكثير من المفردات الكلامية؛ فهذان الكتابان يحتويان على الكثير من المسائل التي تقترب بظاهرها من المعتزلة. وقد قوّت هذه الصورة الاكتشافاتُ الجديدة والمتسارعة للتراث الاعتزالي، وخاصّة تراث القاضي عبد الجبّار المعتزلي، وتلاميذه كأبي رشيد النيسابوري. إنّ مقارنة هذا التراث الاعتزالي مع كتب المرتضى حديثة النشر أخذت توحي للقارئ أنّ الشريف المرتضى يحمل توجّهات (اعتزالية)، وبالتحديد: (اعتزالية بصرية)، وبتحديد أكثر: (اعتزالية

1.. نعم لقد تمكّن بعض الباحثين - والذين سوف يأتي التطرّق لأعمالهم العلمية - من خلال التتبّعفي ثنايا هذه الرسائل من استخراج بعض المسائل التي قد تدلّ على وجود ارتباط بينالمرتضى والمعتزلة.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 959
صفحه از 275
پرینت  ارسال به