كما تحدّث بعض الكتّاب الشيعة المعاصرين عن وجود تأثّر للشيعة بالمعتزلة۱.
هذا بالنسبة إلى اتّهام الإمامية بصورة عامّة بالانتماء إلى الاعتزال، أو التأثّر به. وهناك إلى جانبه ادّعاءات بانتماء أشخاص محدّدين من متكلّمي الإمامية بتلك التهمة:
فقد عَدَّ القاضي عبد الجبّار (ت۴۱۵ه ) أبا سهل وأبا محمّد النوبختيَّين في الطبقة التاسعة من طبقات المعتزلة، حيث قال: «ومنهم إمامية، كأبي سهل النيبختي، والحسن بن موسى»۲.
وقال ابن النديم (ت۴۳۸ه ) عن أبي محمّد الحسن بن موسى النوبختي (ت بين۳۰۰و۳۱۰ه ): «إنّ المعتزلة كانت تدّعيه، كما كانت الشيعة تدّعيه»۳.
وقال ابن حجر (ت۸۵۲ه ) في ترجمة أبي سهل النوبختي: «كان من وجوه المتكلّمين، من أهل الاعتزال»۴.
كما نَسب بعضُ المعاصرين الشيخَ المفيدَ (ت۴۱۳ه ) إلى التأثّر بمعتزلة بغداد۵.
۲. المرتضى والاعتزال
أمّا الشريف المرتضى (ت۴۳۶ه ) - وهو الذي يشكّل محور بحثنا في هذا الكتاب - فقد اشتدّت عليه الوطأة في اتّهامه بالاعتزال أكثر من غيره من الإمامية، حيث نصَّ مُعظم من ترجم له من غير الإمامية على اعتزاله۶:
فقد قال ابن حزم (ت۴۵۶ه ): «وكان المرتضى رئيس الإمامية، ويقول مع ذلك
1.. المدرّسي الطباطبائي، تطوّر المباني الفكرية للتشيّع، ص۱۷۸ - ۱۷۹.
2.. القاضي عبد الجبّار، طبقات المعتزلة (ضمن كتاب: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة)، ص۳۲۱.
3.. ابن النديم، الفهرست، ص۲۲۵. وانظر: القاضي عبد الجبّار، طبقات المعتزلة، ص۱۰۴.
4.. ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان، ج۱، ص۴۲۴.
5.. مكدرموت، نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد، ص۴۹۰ - ۴۹۱.
6.. ينبغي الإشارة هنا إلى أنّه لو كان المقصود بالاعتزال هنا، نوعاً من الاتّجاه الفكري الذي يؤمن باختيار الإنسان، والحسن والقبح العقليين، ولوازم ذلك، فإن كان هذا مجرد اصطلاح فلا بأس به، فإنّه لا مشاحّة في الاصطلاح، وإلّا إذا كان المقصود إفراغ فكر الشريف المرتضى من محتواه، وتحويله إلى فكر متطفّل يأخذ ما عنده من متكلّمي المعتزلة، لا من أهل البيت علیهم السّلام، فهذا أمر مرفوض، وبحاجة إلى تفصیل.