57
الشريف المرتضى و المعتزلة

وقد تنوّعت إطلاقات مصطلح المعتزلة على عدّة معانٍ، فقد اعتبر البعض أنّ الإيمان بالتوحيد والعدل بالمعنى المتقدّم يساوي الاعتزال. قال البلخي بهذا الصدد: «والاعتزال - رحمك الله -... فقد صار في يومنا هذا سمة لمن قال بالتوحيد والعدل، ولم يعتقد من سائر المقالات ما يزيل الولاية ويوجب العداوة، وزال عمّن خالف التوحيد والعدل، وإن قال بالمنزلة بين المنزلتين، هذا ضرار وأصحابه يقولون بذلك، وليس تلزمهم سمة الاعتزال، ولا يقبلهم أهله»۱. وبذلك يكون كلّ ماعدا المعتزلة إمّا مجسّمة، أو قدرية (جبرية)، أي سوف يصبح كلّ مَن يَرفض التجسيم والجبر معتزلياً. ولهذا تجرّأ كُتّاب طبقات المعتزلة على إرجاع الطبقات الأولى للاعتزال إلى العهد الإسلامي الأوّل، أي عهد الصحابة، باعتبار أنّهم كانوا يرفضون التشبيه والجبر۲. ولكنّ المُراجع لتاريخ الكلام يجد أنّ التوحيد والعدل ليس مختصّاً بالمعتزلة، فهناك فِرَق أخرى تؤمن بهذين الأصلين، وفي نفس الوقت تقف في الصف المقابل للاعتزال، مثل الشيعة الإمامية، فهي فرقة تؤمن بالتوحيد والعدل، لكنّها لم تأخذ هذين الأصلين من المعتزلة، بل أخذتهما من تعاليم أئمّة أهل البيت علیهم السّلام. يقول الشريف المرتضى بهذا الصدد: «اعلم، أنّ أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين علیه السّلام، وخُطبه، وأنّها تتضمّن من ذلك ما لا مزيد عليه ولا غاية وراءه. ومَن تأمّل المأثور في ذلك من كلامه عَلم أنّ جميع ما أسهب المتكلّمون من بعد في تصنيفه وجمعه إنّما هو تفصيلٌ لتلك الجُمَل وشرحٌ لتلك الأصول. وروي عن الأئمّة من أبنائه علیهم السّلام من ذلك ما لا يكاد يُحاط به كثرة. ومن أحبَّ الوقوف عليه وطلبه أصاب منه الكثير الغزير الذي في بعضه شفاء للصدور السقيمة، ونتاج للعقول العقيمة»۳. ولهذا لا يمكن اعتبار الإيمان بالتوحيد والعدل علامة فارقة دقيقة لتمييز المعتزلي من غيره، إلّا أن يقال إنّ هذا مجرد اصطلاح واعتبار، وهو سهل المؤونة، وبذلك لا يعدو أن يكون مجرّد اصطلاح مخترَع، لا يعبّر عن الواقع بدقّة.

1.. البلخي، مقالات الإسلاميين (ضمن كتاب: فضل الاعتزل وطبقات المعتزلة)، ص۷۵.

2.. القاضي عبد الجبّار، طبقات المعتزلة (ضمن كتاب: فضل الاعتزل وطبقات المعتزلة)، ص۲۱۴.

3.. المرتضی، الأمالي، ج۱، ص۱۰۳.


الشريف المرتضى و المعتزلة
56

أمّا بعد، فقد انتهى إليَّ كتابك عند حيرتك وحيرة من زعمت من أمّتنا، وكيف ترجعون إلينا، وأنتم بالقول دون العمل. واعلم، أنّه لولا ما تناهى إليَّ من حيرتك وحيرة الأمّة قِبَلك، لأمسكتُ عن الجواب، ولكنّي الناصح ابن الناصح الأمين. وما الذي أنا عليه: أنّه مَن لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه فقد كفر، ومن حمل المعاصي على الله عز و جل فقد فجر. إنّ الله تعالى لا يُطاع بإكراه، ولا يُعصى بغلبة، ولم يهمل العباد سدى من المملكة، ولكنّه عز و جل المالك لما ملّكهم، والقادر على ما عليه أقدرهم، فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن الله عز و جل لهم صادّاً، ولا عنها مانعاً، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء سبحانه أن يمنّ عليهم فيحول بينهم وبينها فَعَلَ، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها إجباراً، ولا ألزمهم بها إكراهاً، بل احتجاجه جلّ ذكره عليهم أن عرّفهم وجعل لهم السبيل إلى فعل ما دعاهم إليه، وترك ما نهاهم عنه، ولله الحجّة البالغة، والسلام»۱.

وبذلك يمكن أن يكون واصل قد تعرّف على عقيدة العدل من خلال أستاذه الحسن في البصرة قبل اتّصاله بأبي هاشم في المدينة، حيث أخذ الحسن البصري تلك العقيدة من الإمام الحسن علیه السّلام، ومن ثمّ من الإمام عليّ علیه السّلام. إلّا أن يقال إنّ ولادة واصل في المدينة۲ تدلّ على أنّه كان مرتبطاً بأبي هاشم أوّلاً، ثمّ ذهب إلى البصرة وارتبط بالحسن البصري. وهذا الأمر بحاجة إلى تأكّد، ومعرفة الفترة التي قضاها واصل أوّل حياته في المدينة قبل أن ينتقل إلى البصرة.

۳. أصول المعتزلة

تعرّفنا قبل قليل على بعض أصول المعتزلة المشهورة، فقد استقرّت أصولهم خلال عدّة مراحل من البحث والتنظير على خمسة أصول وهي: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصارت عَلَماً على كلّ معتزلي، فمن آمن بهذه الأصول الخمسة معاً أصبح معتزلياً، وإلّا خرج من دائرة الاعتزال.

1.. الكراجكي، كنز الفوائد، ص۱۷۰.

2.. انظر: ابن المرتضى، طبقات المعتزلة، ص۲۹.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 936
صفحه از 275
پرینت  ارسال به