أمّا بعد، فقد انتهى إليَّ كتابك عند حيرتك وحيرة من زعمت من أمّتنا، وكيف ترجعون إلينا، وأنتم بالقول دون العمل. واعلم، أنّه لولا ما تناهى إليَّ من حيرتك وحيرة الأمّة قِبَلك، لأمسكتُ عن الجواب، ولكنّي الناصح ابن الناصح الأمين. وما الذي أنا عليه: أنّه مَن لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه فقد كفر، ومن حمل المعاصي على الله عز و جل فقد فجر. إنّ الله تعالى لا يُطاع بإكراه، ولا يُعصى بغلبة، ولم يهمل العباد سدى من المملكة، ولكنّه عز و جل المالك لما ملّكهم، والقادر على ما عليه أقدرهم، فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن الله عز و جل لهم صادّاً، ولا عنها مانعاً، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء سبحانه أن يمنّ عليهم فيحول بينهم وبينها فَعَلَ، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها إجباراً، ولا ألزمهم بها إكراهاً، بل احتجاجه جلّ ذكره عليهم أن عرّفهم وجعل لهم السبيل إلى فعل ما دعاهم إليه، وترك ما نهاهم عنه، ولله الحجّة البالغة، والسلام»۱.
وبذلك يمكن أن يكون واصل قد تعرّف على عقيدة العدل من خلال أستاذه الحسن في البصرة قبل اتّصاله بأبي هاشم في المدينة، حيث أخذ الحسن البصري تلك العقيدة من الإمام الحسن علیه السّلام، ومن ثمّ من الإمام عليّ علیه السّلام. إلّا أن يقال إنّ ولادة واصل في المدينة۲ تدلّ على أنّه كان مرتبطاً بأبي هاشم أوّلاً، ثمّ ذهب إلى البصرة وارتبط بالحسن البصري. وهذا الأمر بحاجة إلى تأكّد، ومعرفة الفترة التي قضاها واصل أوّل حياته في المدينة قبل أن ينتقل إلى البصرة.
۳. أصول المعتزلة
تعرّفنا قبل قليل على بعض أصول المعتزلة المشهورة، فقد استقرّت أصولهم خلال عدّة مراحل من البحث والتنظير على خمسة أصول وهي: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصارت عَلَماً على كلّ معتزلي، فمن آمن بهذه الأصول الخمسة معاً أصبح معتزلياً، وإلّا خرج من دائرة الاعتزال.