إذن ما كان المعتزلة يتباهون به هو عقيدة التنزيه ونفي الجسمية والتشبيه من جهة، وعقيدة اختيار الإنسان ونفي الجبر من جهة أخرى. وقد دار حول هاتين العقيدتين نزاع كبير بين المسلمين على طول التاريخ.
أمّا ما هي جذور هاتين العقيدتين عند المعتزلة؟ يجيب المعتزلة على هذا السؤال من خلال إرجاع ذلك إلى أمير المؤمنين الإمام عليّ علیه السّلام، فهم يتباهون بأنّ سلسلة شيوخهم تنتهي إليه علیه السّلام، فرأسُ المعتزلة واصل بن عطاء - كما تقدّم - هو تلميذ أبي هاشم، وأبو هاشم تلميذ أبيه محمّد بن الحنفية، والأخير تلميذ والده الإمام عليّ علیه السّلام، وعن هذا الطريق حصل المعتزلة على عقيدتي التوحيد والعدل بالمعنی المتقدّم.
هذا ما صرّح به المعتزلة، ولكن إلى جانب ذلك يمكن العثور على جذر آخر يوصل المعتزلة - في مسألة الاختيار على الأقل - إلى الإمام عليّ علیه السّلام من غير طريق ابن الحنفية وأبي هاشم، وهو طريق ارتباط واصل بأستاذه الحسن البصري، وارتباط الأخير بالإمام الحسن السبط بن الإمام عليّ علیه السّلام. فهناك رسالة أرسلها الحسن البصري إلى الإمام الحسن علیه السّلام يسأله فيها عن العدل واختيار الإنسان أو جبره، فأجابه الإمام الحسن علیه السّلام برسالة مفصّلة تحدّث فيها عن اختيار الإنسان، ونفي القول بجبره في أفعاله.
والرسالة كالتالي: جاء في الحديث أنّ الحسن بن الحسن البصري كتب إلى الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب علیهما السّلام: من الحسن البصري إلى الحسن بن رسول الله صلی الله علیه و آله، أمّا بعد، فإنّكم معاشرَ بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة، ومصابيح الدجى، وأعلام الهدى، والقادة الذين من تبعهم نجى، والسفينة التي يؤول إليها المؤمنون، وينجو فيها المتمسّكون. قد كثر يا بن رسول الله صلی الله علیه و آله عندنا الكلام في القدر واختلافنا في الاستطاعة، فتُعلِمنا ما نرى عليه رأيك ورأي آبائك، فإنّكم ذرية بعضها من بعض، مِن عِلم الله عُلّمتم، وهو الشاهد عليكم، وأنتم شهداء على الناس، والسلام.
فأجابه الإمام الحسن بن عليّ علیهما السّلام: «من الحسن بن عليّ إلى الحسن البصري،