53
الشريف المرتضى و المعتزلة

وغيرها موقفاً مناقضاً للخوارج، وصرّحوا بأنّهم مؤمنون، وحاولوا إيجاد الأعذار لهم في قتالهم للخليفة الشرعي. ومن هؤلاء الحسن البصري التي سئل عن حكم مرتكب الكبيرة في مجلسٍ كان يحضره واصل بن عطاء، فلم يرض واصل بجواب شيخه الحسن، وانحاز جانباً، وأخذ يصرّح بنظرية وسط بين النظريّتين المتقدّمين، وقال: أنا لا أسمّي مرتكب الكبيرة مؤمناً ولا كافراً، وإنّما أسمّيه فاسقاً۱.

إنّ هذا الموقف الجديد الوسط الذي رفض الانحياز إلى طرف من الأطراف يذكّرنا بموقف آخر لواصل حول المتقاتلين في معركة الجَمَل، فقد قال إنّ واحداً من الطرفين مخطئ ومرتكبٌ للكبيرة، لكنّنا لا نعرف مَن هو بالتحديد، فهما كالمتلاعنَين اللّذَين لا نعرف مَن الكاذب منهما۲. ويمكن في الحقيقة إرجاع هذا الموقف الأخير إلى البيئة التي عاش وترعرع ودرس فيها واصل، فهو من جهة مولى من موالي ضَبَّة، وقبيلة ضَبَّة معروفة بأنّها من أهمّ القبائل البصرية التي وقفت في وجه أمير المؤمنين علیه السّلام يوم الجَمَل، وفقدت المئات من رجالها في ذلك اليوم۳، مما أورثها بغضاً وحقداً أعمى على أمير المؤمنين علیه السّلام، حيث عُرفت ضَبَّة على طول التاريخ بالنصب والعداء لأهل البيت علیهم السّلام، ونشرت النصب أينما حلّت، مثل مدينة أصفهان التي اشتهرت بالعداء لأهل البيت علیهم السّلام۴، حيث كانت ضَبَّة من القبائل التي هاجرت إلى أصفهان واستقرّت فيها۵. إنّ ارتباط واصل بضَبَّة منعه من الاعتراف بأحقّية الإمام عليّ علیه السّلام في حربه لأهل البصرة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى لقد كان واصل من تلامذة أبي هاشم بن محمّد بن الحنفية۶، ومن المعروف أنّ أبا هاشم كان يحمل عقائد أبيه محمّد الذي كان صاحب راية والده الإمام عليّ علیه السّلام يوم الجَمَل، ومن

1.. المصدر السابق، ص۴۸.

2.. المرتضى، الشافي في الإمامة، ج۱، ص۹۳-۹۴، نَقل ذلك من كتاب (فضائل المعتزلة) للجاحظ.

3.. ابن خيّاط، تاريخ خليفة ابن خيّاط، ص۱۳۹.

4.. النجاشي، رجال النجاشي، ص۱۷.

5.. ابن حيّان، طبقات المحدّثين بأصبهان، ج۱، ص۳۸.

6.. القاضي عبد الجبّار، طبقات المعتزلة (ضمن كتاب: فضل الاعتزل وطبقات المعتزلة)، ص۲۱۵، ۲۲۶.


الشريف المرتضى و المعتزلة
52

العقائد، وتفصيل بحوثها، وتفريعها من خلال العقل.

ولا نودّ الإسهاب هنا بالحديث عن عقلية الاعتزال، ودور العقل في بنية الروح الاعتزالية، سوى أنّ ممّا لاشكّ فيه أنّهم تمكّنوا من دفع عجلة علم الكلام إلى الأمام بصورة كبيرة، وخَطَوا بهذا العلم خطوات بعيدة. وقد برزوا في مجال المناظرة بصورة خاصّة، فكانوا فرسان هذا الميدان، ولهذا صاروا في الخطّ الأوّل للدفاع عن عقائد الإسلام وردّ عقائد الأديان الأخرى، فنالوا قصب السبق في مناظرة أتباع الأديان الأخرى، وكتابة الكتب في ردّهم ونقد آرائهم وعقائدهم، كلّ هذا بفضل المنهجية العقلية التي اعتمدوها۱. وهناك قصّة تورَد في هذا المجال، تكشف لنا عن دور العقل والمناظرة عند المعتزلة في عصر هارون الرشيد۲.

دعائم عقيدة الاعتزال: واقترن اسم المعتزلة أيضاً بمؤسّسها وباعثها واصل بن عطاء، فقد خرج واصل على العالم الإسلامي في بداية القرن الثاني بعقائد اعتبرت جديدة في ذلك العصر، فأصرّ عليها وتمكّن من استقطاب عدد كبير من الأتباع والمؤيّدين بفضل ما كان يمتلكه من قدرات خطابية وبيانية كبيرة.

إنّ أهمّ فكرة ركّز عليها واصل وأبرزها، ثم صارت سبباً لتنحّيه عن مجلس شيخه الحسن البصري في قصّة معروفة هي فكرة (المنزلة بين المنزلتين)، والتي غدت أهم ميزة يتميّز بها المعتزلة عن أضرابهم من المتكلّمين۳، فقد برزت منذ العقد الرابع من القرن الأوّل فكرة أثارها الخوارج، وملأوا الدنيا بها صخباً، هي فكرة أنّ مرتكب الكبيرة يسمّى كافراً، فقد اتّهموا المتحاكمين بعد معركة صفّين بالكفر بسبب أنّ الرضا بالتحكيم يعتبر كبيرة، وهكذا عمّموا هذه الصّفة (الكفر) لكلّ مرتكب كبيرة. إذن لقد كانت عقيدة الخوارج هذه، عقيدة سياسية بامتياز۴.

وفي المقابل وقف العديد ممّن رفضوا تكفير الصحابة المتحاربين في تلك المعركة

1.. الشرفي، الفكر الإسلامي في الردّ على النصارى، ص۲۰۱-۲۰۹.

2.. انظر: القاضي عبد الجبّار، طبقات المعتزلة، ص۲۶۶-۲۶۷.

3.. المفيد، أوائل المقالات، ص۳۷-۳۸.

4.. انظر: الشهرستاني، الملل والنحل، ج۱، ص۱۱۴-۱۱۷.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1114
صفحه از 275
پرینت  ارسال به