العقائد، وتفصيل بحوثها، وتفريعها من خلال العقل.
ولا نودّ الإسهاب هنا بالحديث عن عقلية الاعتزال، ودور العقل في بنية الروح الاعتزالية، سوى أنّ ممّا لاشكّ فيه أنّهم تمكّنوا من دفع عجلة علم الكلام إلى الأمام بصورة كبيرة، وخَطَوا بهذا العلم خطوات بعيدة. وقد برزوا في مجال المناظرة بصورة خاصّة، فكانوا فرسان هذا الميدان، ولهذا صاروا في الخطّ الأوّل للدفاع عن عقائد الإسلام وردّ عقائد الأديان الأخرى، فنالوا قصب السبق في مناظرة أتباع الأديان الأخرى، وكتابة الكتب في ردّهم ونقد آرائهم وعقائدهم، كلّ هذا بفضل المنهجية العقلية التي اعتمدوها۱. وهناك قصّة تورَد في هذا المجال، تكشف لنا عن دور العقل والمناظرة عند المعتزلة في عصر هارون الرشيد۲.
دعائم عقيدة الاعتزال: واقترن اسم المعتزلة أيضاً بمؤسّسها وباعثها واصل بن عطاء، فقد خرج واصل على العالم الإسلامي في بداية القرن الثاني بعقائد اعتبرت جديدة في ذلك العصر، فأصرّ عليها وتمكّن من استقطاب عدد كبير من الأتباع والمؤيّدين بفضل ما كان يمتلكه من قدرات خطابية وبيانية كبيرة.
إنّ أهمّ فكرة ركّز عليها واصل وأبرزها، ثم صارت سبباً لتنحّيه عن مجلس شيخه الحسن البصري في قصّة معروفة هي فكرة (المنزلة بين المنزلتين)، والتي غدت أهم ميزة يتميّز بها المعتزلة عن أضرابهم من المتكلّمين۳، فقد برزت منذ العقد الرابع من القرن الأوّل فكرة أثارها الخوارج، وملأوا الدنيا بها صخباً، هي فكرة أنّ مرتكب الكبيرة يسمّى كافراً، فقد اتّهموا المتحاكمين بعد معركة صفّين بالكفر بسبب أنّ الرضا بالتحكيم يعتبر كبيرة، وهكذا عمّموا هذه الصّفة (الكفر) لكلّ مرتكب كبيرة. إذن لقد كانت عقيدة الخوارج هذه، عقيدة سياسية بامتياز۴.
وفي المقابل وقف العديد ممّن رفضوا تكفير الصحابة المتحاربين في تلك المعركة