29
الشريف المرتضى و المعتزلة

التاريخ، وظهروا اليوم باسم السلفيين، وأخذوا يرتكبون أبشع المجازر بحقّ الشيعة. وهكذا كان في عصر الشريف المرتضى فقد كان الحنابلة يثيرون الفتن مع الشيعة في كلّ سنة، يساعدهم على ذلك السلوك المتطرّف لبعض الشيعة، فصار من المتعارف أن ينشب صراع دموي في كلّ محرّم وعيد غدير من كلّ سنة، تذهب ضحيته العشرات من الضحايا من كلا الطرفين. وكان الحاكم البويهي يتدخّل في كلّ مرّة لحلّ النزاع من دون أن يرجّح كفّة أحد طرفي النزاع على الآخر، بل كان يشتدّ أحياناً على الطرف الشيعي، فقد قام الحاكم البويهي بنفي شيخ الشيعة المفيد مرّتين من بغداد، أي في سنة (۳۹۲ه‍ )، وسنة (۳۹۸ه‍ )۱. وقد استمرّت هذه النزاعات المؤسفة إلى سقوط الدولة البويهية، ومجيء السلاجقة بقيادة طغرل بك صاحب الميول السنية المتطرّفة، فقام بقمع الشيعة وطرد شيخهم الطوسي من بغداد۲. فترجّحت كفّة أهل السنة، وتوقّفت أعمال العنف الطائفية. والجدير بالذكر أنّه لم يُكتب للوجود الحنبلي البقاء في بغداد بل في كلّ العراق، فإنّ أكثر سُنّة بغداد اليوم هم من الحنفية۳، أما الوجود الشيعي في بغداد فما زال إلى اليوم محتفظاً بوجوده بقوة.

وينبغي التنويه هنا إلى أنّ عداء الحنابلة ما كان مختصّاً بالشيعة، بل كانوا يعادون أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، مثل الشافعية، فقد نقل ابن الأثير في أحداث سنة (۳۲۳ه‍ )عن الحنابلة أنّهم: «كانوا إذا مرَّ بهم شافعي المذهب، أغروا به العميان فيضربونه بعِصِيَّهم حتى يكاد يموت»۴.

۴. شيوخه

لقد نهل الشريف المرتضى من نمير علم مجموعة من الشيوخ الذين كان لهم الأثر البالغ في تنشئته وتكوينه العلمي والفكري، وهؤلاء الشيوخ هم:

1.. ابن الجوزي، المنتظم، ج۱۵، ص۳۳، ۵۹.

2.. المصدر السابق، ج۱۶، ص۷-۸، ۱۶؛ الطوسي، النهاية (حياة الشيخ الطوسي)، الصفحات (ح – د).

3.. الخيّون، الأديان والمذاهب بالعراق، ص۴۱۹، ۳۵۲.

4.. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج۸، ص۳۰۸.


الشريف المرتضى و المعتزلة
28

صارت لدى هذا العنصر القدرة على استبدال خليفة بآخر، بعد قتل الخليفة السابق، أو إرغامه على التنحّي عن السلطة، أقول في هذه الفترة بدأ الضعف يدبُّ في جسد الدولة العبّاسية، وتحوَّل وجودُ الخليفة الى مجرّد واجهة لإضفاء الشرعية على الحكومات أو الدويلات التي أخذت تنتشر هنا وهناك، كالصفّاريين، والسامانيين، والغزنويين، والحمدانيين، والإخشيديين وغيرهم.

في هذه الفترة ظهر ثلاثة أخوة كانوا ينحدرون من عنصر فارسي، وكانوا ذوي نزعة شيعية، وطموح لاحدود له، عُرفوا بآل بويه، فقاموا بتأسيس دولتهم - التي عُرفت بالدولة البويهية - في إيران، ولم يكتفوا بذلك بل توجَّه أصغرُهم (أحمد) نحو العراق، وتمكّن من دخول بغداد سنة ۳۳۴ه‍ ، وفرض الوجود البويهي على قلب الدولة العبّاسية۱، فكان ذلك ثانيَ سقوط لبغداد بعد سقوطها على يد المأمون سنة ۱۹۸ه‍ ، واستيلائه عليها بعد قتله لأخيه الأمين. وقد استمرّ الوجود البويهي في بغداد إلى سنة ۴۴۷ه‍ ، عندما دخل السلاجقة بغداد - فكان ثالثَ سقوط لها - وقاموا بطرد البويهيين منها۲.

ويمكن اعتبار القرنين الرابع والخامس قرنَي حكومة الشيعة على العالم الإسلامي، فالبويهيون في المشرق (إيران والعراق)، والفاطميون في المغرب (مصر والشمال الأفريقي)، والحمدانيون في الشمال (الجزيرة والشام)، والزيدية في الجنوب (اليمن)۳.

لقد انتهج حكّام بغداد الجُدُد (البويهيون) سياسة منفتحة وليَّنة تجاه جميع الفرق والاتّجاهات، ومنهم الشيعة بطبيعة الحال - باعتبار الانتماء المذهبي الشيعي للبويهيين - الذين كانوا يعانون من الاضطهاد والتهميش في ظلّ الحكومات السابقة. وقد كانت من أبرز الفرق في بغداد فرقتان، هما: الشيعة والحنابلة. الحنابلة الذين تحوّلوا الى عدوّ تقليدي للشيعة، حيث استمرّ عداؤهم للشيعة على طول

1.. ابن الجوزي، المنتظم، ج۱۴، ص۴۲.

2.. المصدر السابق، ج۱۵، ص۳۴۸.

3.. أمين، ظهر الإسلام، ص۱۱۱، ۶۸۳، ۶۸۷.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 962
صفحه از 275
پرینت  ارسال به