لقد تميّزت الحياة الفكرية الإمامية في القرنين الرابع والخامس بظهور موسوعات حديثية ضخمة عُرفت بالكتب الأربعة، تمَّ الاستغناء بها عن مجموعات حديثية صغيرة كان يتداولها الشيعة فيما بينهم، عُرفت بالأصول الأربعمائة، والكتب الأربعة هي الكافي للكليني (ت۳۲۹ه )، وكتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق (ت۳۸۱ه )، والتهذيب والاستبصار للطوسي (ت۴۶۰ه ).
ومن الأمور التي تفرّد بها الإمامية، وسبقوا بها أكثر الفرق الإسلامية هي كتابة الفهارس، فقد اهتمّوا بحصر الكتب التي ألَّفها الشيعة والتعرّف عليها، ولم يكتفوا بذلك، بل اهتمّوا بمعرفة سند نسخ الكتب التي كانت في حوزتهم، وهو أمر يعدّ سابقة في مجال توثيق الكتب والمخطوطات، وقد بقي من تلك الفهارس رسالة أبي غالب الزراري (ت۳۶۸ه )، وفهرست النجاشي (ت۴۵۰ه )، والطوسي (ت۴۶۰ه )، وغيرها.
وأمّا في مجال الفقه فقد كانت الكتب الفقهية الشيعية في البداية عبارة عن نفس روايات أهل البيت علیهم السّلام مع أسانيدها، كما نشاهد ذلك في الكتب الأربعة، لكن في هذه الفترة التي نتحدّث عنها أخذت تظهر كتب فقهية حُذفت منها أسانيد الروايات، وتمّ الإبقاء على مضمون تلك الروايات، كما في كتاب المقنع للصدوق، والمقنعة للمفيد، والنهاية للطوسي. إضافة إلى أنّه قد ظهرت في هذه الفترة أيضاً كتب الفقه المقارن، مثل الإعلام للمفيد، والانتصار والناصريات للمرتضى، والخلاف للطوسي، فقد تمّت المقارنة في هذه الكتب بين الآراء الفقهية الإمامية مع باقي مذاهب أهل السنة، وحتّى الزيدية كما في حالة الناصريات.
وأمّا علم الكلام فقد ظهرت شخصيات شيعية مهمّة، مثل أبي الجيش البلخي۱ الذي وُصف بأنّه: (شيخ الشيعة)، والذي كان يدخل في مناظرات مع باقي الفرق۲. ولكن لم يَنَل علم الكلام الإمامي في القرنين الرابع والخامس مكانة مرموقة إلّا على يد الشيخ المفيد وتلامذته من أمثال الشريف المرتضى، والشيخ الطوسي، وغيرهم،