243
الشريف المرتضى و المعتزلة

البيت علیهم السّلام، سوى أنّ المعتزلة نبَّهوه على إمكان توظيف ذلك الدليل لتبنّي نظريات ورؤى أخرى.

۲. قد يكون اتّخاذ موقف من المواقف منساباً انسياباً طبيعياً مع موقف سابق للمرتضى، وبذلك لا يكون تابعاً للمعتزلة، نعم قد يكون لهم دور المنبَّه أيضاً، كما في مسألة عدم توقيفية الصفات التي كانت اقتضاءً طبيعياً لموقف المرتضى من العقل، حيث أعطاه دوراً هامّاً ومستقلّاً كنتيجة لظروف عصر الغيبة كما تقدّم في بحث علاقة العقل والسمع.

۳. قد يأخذ المرتضى نظرية من المعتزلة ويتابعهم في أصل تلك النظرية، لكنّه عند الدخول في تفاصيل البحث يقوم بمناقشة أدلّة المعتزلة التي أقاموها على تلك النظرية، ويضيف أدلّة من عنده لإثبات النظرية المعتزلية - كما في مسألة حقيقة الإنسان - وفي هذه الصورة لا يمكن عدُّه تابعاً محضاً للمعتزلة.

۴. قد تكون أصل الفكرة مأخوذة من تراث أهل البيت علیهم السّلام، لكنّ الصياغة والتفسير مأخوذة من المعتزلة، مثل برهان إثبات المحدِث، فالاستدلال بحدوث الأجسام على وجود المحدِث موجود في تراث أهل البيت علیهم السّلام، إلّا أنّ الصياغة معتزلية، ومثل صفات السمع والبصر، والإرادة، فإنّ أصل إثبات هذه الصفات لله تعالى ممّا أجمع عليه المسلمون، وليست فكرة مأخوذة من المعتزلة، نعم تفسير حقيقة هذه الصفات قد أخذها المرتضى من المعتزلة وتابعهم عليه.

۵. قد يوافق المرتضى في بعض آرائه آراءَ الإمامية وآراءَ المعتزلة في نفس الوقت، ففي هذه الحالة يكون اعتباره تابعاً للإمامية أولى من اعتباره تابعاً للمعتزلة؛ فهو كان يعيش في أجواء الفكر الإمامي، ومن الطبيعي أن يكون تابعاً لهذه الاجواء. ومن تلك الآراء: نفي التشبيه والتجسيم، ونفي الرؤية، واختيار الإنسان، ونفي التكليف بما لا يُطاق.

۶. قد يلتقي المرتضى مع المعتزلة في بعض الجهات ويختلف في جهات أخرى لا تقلّ أهميّة عن تلك التي التقى فيها معهم، مثل بحث الألم والعوض.


الشريف المرتضى و المعتزلة
242

يحتوي خبر الواحد على دليل عقلي يكون في حدّ ذاته مقنعاً وجديراً بالاعتماد.

ثالثاً: بالنسبة إلى متابعة المرتضى للمعتزلة وعدم ذلك، ينبغي أن يقال: في حالة وجود دليل علمي - كالإجماع أو الخبر المتواتر - على رأي الإمام، فلا معنى للحديث عن متابعة المرتضى للمعتزلة وإن اتّفق رأيه معهم؛ إذ أنّه ككلّ متكلّم إمامي آخر يَعتبر نفسه مسؤولاً عن متابعة رأي الإمام إذا تمّ إثباته، وهذا الأمر تقتضيه أصول المرتضى.

وأمّا في حالة عدم وجود دليل علمي ويقيني على رأي الإمام، ففي هذه الحالة إذا قارنّا رأي المرتضى مع رأي المعتزلة نراه يتّخذ ثلاثة مواقف: فهو قد يخالفهم في الرأي تارة، ويوافقهم تارة أخرى، ويتوقّف في قبول رأيهم وعدمه تارة ثالثة.

أمّا في حالة مخالفتهم - كما في صفة القدرة، حيث لم يجزم المرتضى بإرجاعها إلى نظرية الأحوال، كما اختلف مع أبي هاشم في دلالة الفعل على القدرة فقط أو على أكثر من ذلك، واختلف مع بعض المعتزلة في بعض وجوه مسألة الألم والعوض، وأيضاً اختلف مع المعتزلة في نظرية الصرفة، وظهور المعجزات على يد غير الأنبياء علیهم السّلام، وغير ذلك - فلا معنى أيضاً للحديث عن متابعتهم كما هو واضح.

وهكذا الأمر في حالة التوقّف - كما في مسألة بقاء القدرة، والعلم الناشئ من الخبر المتواتر - فإنّه لا تأثّر ولا متابعة في البَيْن.

بقيت حالة الموافقة مع المعتزلة، ففي هذه الحالة توجد عدّة صور:

۱. قد يوجد دليل عقلي منقول من خلال خبر واحد عن أئمّة أهل البيت علیهم السّلام، وقد استفاد المرتضى - كما المعتزلة - من ذلك الدليل لإثبات بعض النظريات، كما في دليل المدح والذمّ الوارد في خبر واحد عن أمير المؤمنين علیه السّلام، والذي استدلّ به المرتضى لإثبات اختيار الإنسان، والتوليد، واكتسابية المعرفة، وحقيقة الإنسان المادّية، ففي هذه الصورة يكون دور المعتزلة دورَ المنبَّه على إمكان الاستدلال بدليل المدح والذمّ على النظريات الثلاث الأخيرة، إضافة إلى نظرية الاختيار التي استدلّ بها أمير المؤمنين علیه السّلام في الخبر عليها. وبذلك لا يصحّ الحديث عن متابعة المرتضى للمعتزلة في إيمانه بتلك النظريات؛ لأنّه كان قد حصل على الدليل من أخبار أهل

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1188
صفحه از 275
پرینت  ارسال به