يحتوي خبر الواحد على دليل عقلي يكون في حدّ ذاته مقنعاً وجديراً بالاعتماد.
ثالثاً: بالنسبة إلى متابعة المرتضى للمعتزلة وعدم ذلك، ينبغي أن يقال: في حالة وجود دليل علمي - كالإجماع أو الخبر المتواتر - على رأي الإمام، فلا معنى للحديث عن متابعة المرتضى للمعتزلة وإن اتّفق رأيه معهم؛ إذ أنّه ككلّ متكلّم إمامي آخر يَعتبر نفسه مسؤولاً عن متابعة رأي الإمام إذا تمّ إثباته، وهذا الأمر تقتضيه أصول المرتضى.
وأمّا في حالة عدم وجود دليل علمي ويقيني على رأي الإمام، ففي هذه الحالة إذا قارنّا رأي المرتضى مع رأي المعتزلة نراه يتّخذ ثلاثة مواقف: فهو قد يخالفهم في الرأي تارة، ويوافقهم تارة أخرى، ويتوقّف في قبول رأيهم وعدمه تارة ثالثة.
أمّا في حالة مخالفتهم - كما في صفة القدرة، حيث لم يجزم المرتضى بإرجاعها إلى نظرية الأحوال، كما اختلف مع أبي هاشم في دلالة الفعل على القدرة فقط أو على أكثر من ذلك، واختلف مع بعض المعتزلة في بعض وجوه مسألة الألم والعوض، وأيضاً اختلف مع المعتزلة في نظرية الصرفة، وظهور المعجزات على يد غير الأنبياء علیهم السّلام، وغير ذلك - فلا معنى أيضاً للحديث عن متابعتهم كما هو واضح.
وهكذا الأمر في حالة التوقّف - كما في مسألة بقاء القدرة، والعلم الناشئ من الخبر المتواتر - فإنّه لا تأثّر ولا متابعة في البَيْن.
بقيت حالة الموافقة مع المعتزلة، ففي هذه الحالة توجد عدّة صور:
۱. قد يوجد دليل عقلي منقول من خلال خبر واحد عن أئمّة أهل البيت علیهم السّلام، وقد استفاد المرتضى - كما المعتزلة - من ذلك الدليل لإثبات بعض النظريات، كما في دليل المدح والذمّ الوارد في خبر واحد عن أمير المؤمنين علیه السّلام، والذي استدلّ به المرتضى لإثبات اختيار الإنسان، والتوليد، واكتسابية المعرفة، وحقيقة الإنسان المادّية، ففي هذه الصورة يكون دور المعتزلة دورَ المنبَّه على إمكان الاستدلال بدليل المدح والذمّ على النظريات الثلاث الأخيرة، إضافة إلى نظرية الاختيار التي استدلّ بها أمير المؤمنين علیه السّلام في الخبر عليها. وبذلك لا يصحّ الحديث عن متابعة المرتضى للمعتزلة في إيمانه بتلك النظريات؛ لأنّه كان قد حصل على الدليل من أخبار أهل