237
الشريف المرتضى و المعتزلة

أن لا يعود الفاعل إلى فعله القبيح۱- لا تزيل العقاب على نحو الوجوب، وإنّما تزيله من باب التفضّل من الله تعالى؛ وذلك لدلالة الإجماع والسمع۲، أي أنّه عند التوبة لا يجب زوال العقاب، وإنّما يتفضّل الله تعالى بإزالته. وهذا الكلام يتلائم مع ما تقدّم من أنّ التوبة ليست من مُسقطات العقاب عند المرتضى، وإنّما المسقط الوحيد للعقاب هو عفو مَن بيده العفو، وهو الله تعالى في محلّ كلامنا.

وبذلك اختلف المرتضى مع المعتزلة مرّة أخرى، حيث ذهبوا إلى أنّ التوبة تُسقِط العقاب وتحبطه على نحو الوجوب، فتكون من وجهة نظرهم من مُسقطات العقاب.

وقد رفض المرتضى أن تكون التوبة مُسقطة للعقاب بنفس الطريقة التي رفض بها التحابط، أي كون الطاعة مُسقطة للمعصية، أو كون الثواب مُسقطاً للعقاب؛ فإنّه لا تنافي ولا تضادّ بين التوبة في نفسها وبين العقاب، فكيف تُبطل ما لا تنافيه ولا تضادّه؟! إضافة إلى أنّ العقاب المستحَقّ أمر معدوم، والتوبة موجودة، والموجود لا يُبطل المعدوم۳. وهذه نفس الطريقة التي أبطل بها التحابط كما تقدّم.

واستدلّ المعتزلة على أنّ التوبة تزيل العقاب وجوباً بأدلّة ناقشها المرتضى كلّها ورفضها، منها: أنّ التوبة إذا لم ترفع العقاب وجوباً لأدّى ذلك إلى قبح تكليف الفاسق بعد فسقه؛ لأنّ التكليف إنّما يحسن؛ تعريضاً للثواب، والفاسق إذا استحقّ العقاب فلا يجوز أن يستحقّ الثواب، فينبغي على ذلك أن تكون له طريقة للتخلّص من العقاب لكي ينتفع بما عُرَّض له من الثواب على الطاعة، ولا طريق سوى التوبة، فلابدّ أن تُسقِط العقابَ وجوباً۴.

من الواضح أنّ هذا الدليل ناشئ من تشبُّع روح المعتزلة بفكرة التحابط والتنافي بين الثواب والعقاب، بحيث إذا استحقّ الإنسان العقاب بسبب فسقه، فهذا

1.. المصدر السابق، ص۳۲۰.

2.. المصدرالسابق.

3.. المصدر السابق، ص۳۱۶-۳۱۷.

4.. القاضي عبد الجبّار، المغني (التوبة)، ج۱۴، ص۳۴۰؛ المرتضی، الذخيرة، ص۳۱۷.


الشريف المرتضى و المعتزلة
236

على عدم زوال الثواب، والإجماع كاشف عن رأي المعصوم، ولا يمكن مخالفة رأي المعصوم بأيّ حال من الأحوال.

مُسقطات العقاب: يرى المرتضى أنّ العقاب لا يزيله إلّا عفو مالكه عنه، فالذي يملك العفو هو الوحيد الذي يستطيع أن يزيل العقاب، ولا توجد طريقة أخرى لإزالة العقاب، وقد نسب المرتضى ذلك إلى الإمامية۱. ويُفهم من ذلك أنّ عفو مَن بيده العفو يمكن أن يحصل من خلال التفضّل أو التوبة أو الشفاعة، لکنّ هذهِ الأمور لا توجب العفو على مَن بيده العفو، وإنّما هي عامل مساعد عليه. إذن الطريق الوحيد لزوال العقاب هو عفو مَن بيده العفو.

أمّا المعتزلة فقالوا إنّ العقاب يزول بالتفضّل، كما يزول بالندم - وهو التوبة - لكن على نحو الوجوب. كما أنّ عقاب المعاصي الصغيرة يزول إذا زاد ثواب الطاعات على عقاب المعصية، وهو الذي يسمّى: «التكفير»، وهو عكس «التحابط»، والذي يعني زوال الثواب بالعقاب۲.

أمّا الشفاعة عندهم فهي غير مسقطة للعقاب، وإنّما هي رافعة للدرجات۳، فلا تدخل من وجهة نظرهم في ضمن مُسقطات العقاب.

وعلى أيّ حال، فمُسقطات العقاب بصورة عامّة هي: التفضّل، والتوبة، والشفاعة، والتكفير.

وفي ما يلي نتعرّض إلى بحث أهمّ المُسقطات للعقاب وهي التوبة والشفاعة، ونبيّن الخلاف حول حقيقتهما بين المرتضى والمعتزلة. أمّا التكفير فقد تقدّم الحديث عنه ورفض المرتضی له، وذلك عند الكلام عن التحابط؛ فالتكفير والتحابط متعاكسان ومتقابلان، وروحهما واحدة، فلا حاجة إلى إعادة الكلام. وأمّا التفضّل فواضح.

التوبة: ذهب المرتضى إلى أنّ التوبة - والتي تعني الندم على الفعل القبيح، والعزم على

1.. المصدر السابق، ص۳۰۲.

2.. الحُمُّصي، المنقذ من التقليد، ج۲، ص۴۲.

3.. مانکدیم، شرح الأصول الخمسة، ص۴۶۳ - ۴۶۵.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1178
صفحه از 275
پرینت  ارسال به