229
الشريف المرتضى و المعتزلة

الإيمان ويُبطن الكفر، فهو لم يكن مؤمناً ثم كفر، بل كان كافراً منذ البداية؛ لأنّه بحسب القاعدة المتقدّمة أنّ المؤمن لا يكفر أبداً، وإنّما كان يتظاهر بالإيمان، وهو ما يسمّى بالنفاق.

وبما أنّ الإيمان حالة باطنية كما تقدّم، فلا يمكن التعرّف على المؤمن من ظاهره؛ لأنّه قد يكون منافقاً كما تقدّم، فما هو السبيل لمعرفة المؤمن؟ لأجل حلّ هذا الإشكال اشترط المرتضى في الإيمان «الموافاة على الإيمان»، بمعنى أنْ يبقى الشخص على ظاهر الإيمان إلى آخر لحظة من حياته، ولا يُنهي حياته بالكفر الصريح، كالخروج على إمام الزمان الشرعي، أو إنكار إمامة أحد الأئمّة الاثني عشر علیهم السّلام، أو غير ذلك من الكفر الصريح، فإنّه لو أنهى حياته بمثل هذا النوع من الكفر لعلمنا أنّه لم يكن مؤمناً منذ البداية، بل كان منافقاً، بينما إذا وافى على الإيمان، أي وصل إلى آخر محطّة من حياته وهو مؤمن، فحينئذ نعلم أنّه كان مؤمناً حقّاً.

وفي الحقيقة ليست الموافاة شرطاً للإيمان، وإنّما هي علامة ودليل على الإيمان، فهي تكشف لنا عن الإيمان، وتميّز المؤمن من غير المؤمن۱. وبعبارة علمية: الموافاة دليل إثباتي على الإيمان، وليست شرطاً ثبوتياً له.

إنّ فكرة الموافاة التي آمن بها المرتضى وغيره من الإمامية سمحت لهم بإثبات نفاق الكثيرين ممّن كانت لهم سابقة في الإسلام على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله، لكنّهم أنكروا إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام بعد ذلك، أو حاربوه يوم الجمل وصفّين، فإنّ هذا يعني أنّهم لم يكونوا مؤمنين منذ بداية الأمر، بل كانوا منافقين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر. وهذا بالطبع لا يشمل المستضعفين القاصرين الذين لا بصيرة لهم في الدين، فإنّه لا تشملهم هذه الأحكام، وترجى لهم النجاة يوم القيامة.

ثم إنّ فكرة الموافاة سمحت للإمامية أيضاً أن يجيبوا على استدلالات الآخرين ببعض الآيات على إيمان الصحابة الذين خالفوا أمير المؤمنين علیه السّلام، مثل قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

1.. المرتضی، الذخيرة، ص۵۲۲.


الشريف المرتضى و المعتزلة
228

أساس حبّ الإمام عليّ علیه السّلام وبغضه، والذي يبدو أنّه قد تمّ تطويره من قِبل متكلّمي الإمامية إلى تقسيم الناس على أساس معرفة الإمام وجحده، فقد قال المرتضى بهذا الصدد: «ممّا يدلّ أيضاً على تقديمهم علیهم السّلام وتعظيمهم على البشر أنّ الله تعالى دلّنا على أنّ المعرفة بهم كالمعرفة به تعالى في أنّها إيمان وإسلام، وأنّ الجهل والشكّ فيهم كالجهل به والشكّ فيه في أنّه كفر وخروج من الإيمان، وهذه منزلة ليست لأحد من البشر إلّا لنبيّنا صلی الله علیه و آله، وبعدها لأمير المؤمنين علیه السّلام، والأئمّة من ولده علیهم السّلام»۱.

ومن جهة أخرى، لقد نظر المرتضى إلى حقيقة الإيمان كحقيقة ثابتة في النفس لا تتزلزل، فمن كان مؤمناً لا يصير كافراً أبداً، بينما حقيقة الكفر ليست كذلك، فقد يصير الكافر مؤمناً، ولهذا اشترط في الإيمان (الموافاة)، وهو ما سنتعرّض إليه من خلال البحث التالي.

الموافاة

لأجل إيضاح فكرة الموافاة نقول: رأى المرتضى أنّ الثواب ثابت دائماً لا يزيله شيء بعد تحقّقه۲، وقد استدلّ على ذلك بالإجماع والسمع۳، فإنّ هناك إجماعاً على أنّ الإيمان يُستحقّ عليه الثواب الدائم الأبدي، كما أنّ هناك إجماعاً آخر على أنّ الموت على الكفر يُستحقّ به العقاب الدائم الأبدي، وعلى هذا، إذا كفر المؤمن بعد إيمانه ومات على الكفر، صار مستحقّاً للثواب والعقاب الدائميين الأبديين!!، لكنّ هناك إجماعاً ثالثاً يمنع من استحقاق هذين الأمرين بصورة دائمية۴. ولأجل كلّ هذا صرّح المرتضى بأنّ من صار مؤمناً لا يكفر أبداً؛ كي لا يجتمع عليه الثواب والعقاب الدائميان، وأمّا من كان مؤمناً بحسب الظاهر ثم كفر في نهاية حياته ومات على الكفر، فنعلم أنّ هذا الشخص ما كان مؤمناً حقّاً منذ البداية، بل كان منافقاً يُظهر

1.. المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة)، ج۲، ص۲۵۱.

2.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۰۲.

3.. المصدر السابق، ص۲۸۰-۲۸۱.

4.. المصدر السابق، ص۵۲۱؛ وانظر: المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل الطبرية)، ج۱، ص۱۴۸؛ المصدر السابق، (جوابات المسائل الرازية)، ص۱۳۱.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1166
صفحه از 275
پرینت  ارسال به