227
الشريف المرتضى و المعتزلة

الكفر الذي تترتّب عليه أحكام مخصوصة كالمنع من التوارث والنكاح۱، ولذلك قالوا: إنّ مرتكبي الكبائر من المسلمين ليسوا مؤمنين ولا كفّاراً، بل ينطبق عليهم اسم الفسق، وبذلك صار للعمل دور أساسي في تعريف الفسق كما كان بالنسبة للإيمان، وصار هذا الأمر - أي اعتبار مرتكب الكبيرة فاسقاً - علامة فارقة تميّز المعتزلة من غيرهم، وقد عرفت هذه العلامة باسم: «المنزلة بين المنزلتين»۲، وصارت أحد أصول المعتزلة الخمسة.

وقد أبدى الإمامية رأيهم حول مسألة مرتكب الكبيرة؛ باعتبار أنّها صارت مسألة مهمّة ومطروحة على بساط البحث بين المتكلّمين، فقالوا: إنّ مرتكب الكبيرة العارف بالمعارف التي أوجبها الله تعالى ينطبق عليه عنوان الإيمان، فهو من حيث الاعتقاد مؤمن، لكنّه من حيث ارتكابه المعاصي فاسق۳.

إنّ جَعل المعرفة والتصديق القلبي أساساً للإيمان عند الإمامية سمح لهم بإخراج المنافقين من دائرة الإيمان بكلّ سهولة، فالمنافق مهما أظهر من الإيمان القولي والفعلي، فإنّه لا يكتسب عنوان المؤمن أبداً ما دام قلبه جاحداً للمعارف الحقّة۴.

ثم إنّ اعتبار المعرفة أساساً للإيمان، وتقسيم الناس إلى مؤمن وكافر قد تعود جذوره إلى ما هو معروف في التراث الإمامي من تقسيم الناس بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله إلى مؤمن وكافر، أو منافق، فمن وجهة نظر الإمامية أنّ انقسام المسلمين قد حصل بعد وفاته صلی الله علیه و آله، حيث صار من تابَعَ الإمامَ علياً علیه السّلام مؤمناً، ومن أنكر إمامته كافراً أو منافقاً۵، وقد كان أساس هذا التقسيم هو معرفة إمامة الإمام عليّ علیه السّلام وجحدها. ويمكن العثور على هذا التقسيم في الأحاديث النبوية، مثل قول رسول الله صلی الله علیه و آله: «حبّ عليّ إيمان، وبغضه نفاق»۶، فقد قسّم هذا الحديث الناس على

1.. المصدر السابق، ص۵۳۴.

2.. المفيد، أوائل المقالات، ص۳۷ - ۳۸.

3.. المصدر السابق، ص۸۴.

4.. المرتضی، الذخيرة، ص۵۴۱.

5.. المفيد، الاختصاص، ص۶.

6.. الباقلّاني، تمهيد الأوائل، ص۵۴۴.


الشريف المرتضى و المعتزلة
226

إذن لقد قسَّم المرتضى وباقي الإمامية الناسَ إلى قسمين فقط: مؤمن وكافر، وجعل أساس ذلك المعرفة والجحود، فمن عرف الله تعالى وما أوجب معرفته كمعرفة النبيّ والإمام كان مؤمناً، ومن جحد واحداً من تلك المعارف غدا كافراً. أي أنّ من جحد الإمام وأنكر إمامته صار كافراً، وأضاف المرتضی أنّ من خالف الإمامية في الأصول وبعض الفروع کان كافراً أيضاً۱.

وقبل التعرّض إلى رأي المعتزلة ينبغي التعرّف على رأي الخوارج، فالظاهر أنّ رأي المعتزلة ناظر لرأي الخوارج حول الإيمان والكفر. لقد أولى الخوارج للعمل أهميّة بالغة، وأعطوه دوراً رئيسياً في حقيقة الإيمان والكفر، فقد اعتبروا الإيمان اسماً للطاعات، واعتبروا كلّ من يرتكب المعاصي الكبيرة مِن قتلٍ وشربِ خمرٍ كافراً، وطبّقوا عليه أحكام الكفّار، وبذلك قسّموا الناس إلى: مؤمن وكافر، وذلك على أساس الأعمال.

أمّا المعتزلة فلم يختلف أساسهم كثيراً عن أساس تقسيم الخوارج، لكنّهم قسّموا الناس إلى ثلاثة أقسام: مؤمن وكافر وفاسق، حيث اعتبروا مرتكب الكبيرة من المسلمين فاسقاً؛ فإنّهم قد عرّفوا الإيمان بأنّه اسم للطاعات۲، وأعطوا للعمل دوراً في الإيمان. وقد كان من الطبيعي أن يعرّفوا الكفر بأنّه اسم للمعاصي، وذلك للتضادّ بين الإيمان والكفر، ولكنّ هذا كان سيوقعهم في مطبّ، وهو أنّ هناك الكثير من المؤمنين المطيعين قد يرتكبون بعض المعاصي الصغيرة، كما أنّ هناك بعض الناس يرتكب الكبائر ولکن لا يستحقّ اسم الكفر، ولذلك عرّفوا الكفر بنتائجه، فقالوا: إنّه «اسم لما استُحقّ به عقاب عظيم، وأجريت على فاعله أحكام مخصوصة»۳. وقد أضافوا إلى الإيمان والكفر قسيماً ثالثاً وهو الفسق، فجعلوه حدّاً وسطاً بين الإيمان والكفر، فقد وجدوا بعض المسلمين ممن يرتكب الكبائر من قتل وشرب خمر، وجدوا أنّهم لا يستحقّون اسم الإيمان الذي كان اسماً للطاعات، كما لا يستحقّون اسم

1.. المرتضی، الذخيرة، ص۵۳۵.

2.. المصدر السابق، ص۵۳۷.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1169
صفحه از 275
پرینت  ارسال به