221
الشريف المرتضى و المعتزلة

ولأجل ذلك لابدّ من النصّ على الإمام لمعرفة شخصه، وتمييزه عن غيره، لكن بعد التطوّر الذي حصل في عصر الغيبة الكبرى وإضافة فكرة المعجزة كطريقة جديدة للتعرّف على الإمام، صار هناك أسلوب آخر غير النصّ لمعرفة الإمام المعصوم، وهو المعجزة؛ فالمعجزة تكون بتأييد من الله تعالى، وبذلك ستكون المعجزة طريقاً إلهياً آخر لتمييز المعصوم من غيره، وسوف لن يدلّ «دليل العصمة» على وجوب النصّ فقط، بل على النصّ أو المعجزة.

وقال المرتضى في نصّ هو غاية في الأهمية و مرتبط ببحثنا: «قد دلّلنا على أنّ الإمام لابدّ من أن يكون معصوماً، فإذا ثبت ذلك فلابدّ من أن ينصّ الله تعالى عليه على لسان نبيّه صلی الله علیه و آله، أو أن يُظهِر على يده عَلَماً معجزاً عند دعواه الإمامة، فتُعلم بذلك إمامته. ولا يمكن أن تُعلم إمامة المعصوم إلّا من هذين الوجهين»۱. كما قال: «... وممّا يجب كونه [أي الإمام] عليه أن يكون منصوصاً على عينه بنصّ منه تعالى، أو بأمره، أو مدلولاً على عينه بعَلَم معجز»۲. وهذا تصريح منه بما تقدّم من أنّ هناك طريقتين لمعرفة الإمام، وهي النصّ والمعجزة.

لكن مع ذلك يبدو أنّ عبارات المرتضى متذبذبة، فهو قد ذكر في کتاب جُمل العلم والعمل دليل العصمة، لكنّه أثبت به النصّ فقط، حيث قال: «فإذا وجبت عصمته [الإمام]، وجب النصّ من الله تعالى عليه، وبطل اختيار الإمامة؛ لأنّ العصمة لا طريق للأنام إلى العلم بمن هو عليها»۳، لكنّه في شرح الجُمل أضاف عنصر الإعجاز، وقد تقدّمت عبارته قبل قليل. كما أنّه في الذخيرة أشار إلى وجوب النصّ أو المعجزة على الإمام كما تقدّم، لكنّه بعد بضع صفحات عندما ذكر «دليل العصمة»، استدلّ به على النصّ فقط دون المعجزة۴. وقد تعود حالة التذبذب

1.. المرتضى، شرح جُمل العلم والعمل، ص۱۹۹.

2.. المرتضی، الذخيرة، ص۴۲۹. وفي المطبوع من الذخيرة: «ومدلولاً»، لكن من الواضح أنّه خطأ مطبعي، أو تصحيف في النسخة، والصحيح: «أو مدلولاً»، كما أثبتناه.

3.. المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جُمل العلم والعمل)، ج۳، ص۲۰.

4.. المرتضی، الذخيرة، ص۴۳۲.


الشريف المرتضى و المعتزلة
220

الخطايا»۱. فكأنّه هنا يحاول إثبات ضرورة إقامة الرسول صلی الله علیه و آله للإمام (النصّ) من خلال صفة العصمة.

لقد فرض دليلُ العصمة على وجوب النصّ نفسَه على متكلّمي الإمامية بصورة قويّة، وهذا الأمر يعود إلى وضوحه وسلامته من الإشكالات، إضافة إلى أنّه دليل منقول من كلام أئمّة أهل البيت علیهم السّلام، فقد روي عن الإمام عليّ بن الحسين علیه السّلام أنّه قال: «الإمام منّا لا يكون إلّا معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيُعرف بها، ولذلك لا يكون إلّا منصوصاً»۲.

أمّا المرتضى فلم يخرج عن جماعة الإمامية في هذه المسألة، واستدلّ على النصّ من خلال العصمة۳، واختلف مع المعتزلة الذين لم يؤمنوا بعصمة الإمام، وبذلك لم يجدوا ضرورة لاشتراط النصّ، فقاموا بإنكاره كشرط من شروطه الإمام۴. وبالتالي أصبح الإمامية - ومنهم المرتضى - والمعتزلة في هذه المسألة على طرفي نقيض.

تعليق

إنّ التأمّل في «دليل العصمة» قد يثير تساؤلاً مهمّاً، وهو: لقد تقدّم أنّ الإمامية في عصر الحضور والغيبة الصغرى كانوا يشترطون النصّ لمعرفة الإمام، لكن بعد مجيء عصر الغيبة الكبرى أضيف طريق جديد للتعرّف على شخص الإمام، وهو طريق الإعجاز، فلأجل التعرّف على شخص الإمام صار هناك طريقان لا واحد، هما: النصّ والمعجزة، وإذا كان كذلك فسوف لن ينحصر الطريق لمعرفة العصمة المتقدّمة في «دليل العصمة» بالنصّ، بل سيكون هناك طريق آخر وهو المعجزة.

لقد ألقى هذا التطوّر الجديد بظلاله على «دليل العصمة» المتقدّم، فقد تقدّم أنّ العصمة أمر باطني، والله تعالى هو الوحيد القادر على معرفة المعصوم من غيره،

1.. الصدوق، إكمال الدين، ص۳۶۵ - ۳۶۶.

2.. الصدوق، معاني الأخبار، ص۱۳۲.

3.. المرتضی، الذخيرة، ص۴۳۲؛ المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جُمل العلم والعمل)، ج۳، ص۲۰.

4.. القاضي عبد الجبّار، المغني (الإمامة ق۱)، ج۲۰، ص۱۱۲.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1078
صفحه از 275
پرینت  ارسال به