219
الشريف المرتضى و المعتزلة

فكرة إمامية عريقة، وهي فكرة «العصمة».

ب - النصّ أو المعجزة

من الخصوصيات التي اشتهر بها الإمامية منذ عصر الحضور، اشتراطهم النصّ على الإمام، فبما أنّهم ذهبوا إلى أنّ الإمامة منصب إلهي، ولم يوكَل إلى الأمّة، لذلك كان من الطبيعي أن يشترطوا النصّ الإلهي على شخص الإمام باعتباره الطريقة الوحيدة لإثبات الإمامة لأيّ شخص.

وقد استدلّوا بدليل عقلي على ذلك، وذلك من خلال استثمار فكرة عصمة الإمام، ولنسمّه: «دليل العصمة»، فبعد اشتراطهم العصمة في الإمام، واعتبارها إحدی الصفات التي يجب أن يتوفّر عليها، وبعد الالتفات إلى أنّ صفة العصمة صفة نفسية باطنية لا يتمكّن أيّ أحد من الاطلاع عليها إلّا بعد اختبارات ومراقبات طويلة لسلوك الشخص المدّعي للإمامة قد تستغرق سنوات، وقد لا تؤدّي إلى نتيجة قاطعة، لذلك صار من الضروري التنصيص على الإمام المعصوم، وتعريفه للناس من قِبَل الله تعالى العالِم بالخفيّات وببواطن الأمور، فهو تعالى يعرف المعصوم من غير المعصوم، وبالتالي يمكنه أن يعرّف الشخصَ الذي يتمتّع بصفة العصمة من خلال الإخبار والنصّ الإلهي على ذلك.

وبذلك صار النصّ طريقاً وحيداً وضرورياً للتعرّف على الإمام المعصوم، وباتت هذه الطريقة أفضل وأهمّ طريقة ودليل - إن لم تكن الوحيدة - لإثبات وجوب النصّ على الإمام. وقد كانت هذه الطريقة متّبَعة من قِبَل متكلّمي الإمامية، مثل ابن قِبَة الرازي، والشيخ الطوسي، وغيرهم۱. كما يمكن العثور على خيوط وإلماحات إلى هذا الدليل في كلام المتكلّمين من أصحاب الأئمّة علیهم السّلام مثل هشام بن الحكم، حيث قال في إحدى مناظراته: «...فبقي الوجه الثالث، وهو أنّه لابدّ من عالِم يقيمه الرسولُ لهم، لا يسهو ولا يحيف، معصوم من الذنوب، مبرّأ من

1.. انظر: الصدوق، إكمال الدين، ص۶۱؛ الطوسي، الاقتصاد، ص۱۹۴؛ المقري النيسابوري، التعليق، ص۱۹۰؛ الحُمُّصي، المنقذ من التقليد، ج۲، ص۲۹۶؛ المحقّق الحلّي، المسلك، ص۲۱۰؛ العلّامة الحلّي، كشف المراد، ص۳۶۶؛... وغيرهم.


الشريف المرتضى و المعتزلة
218

وتمكّنوا من استثمارها في عدّة مجالات:

منها، تحويل الإمام إلى مرجعية فكرية أساسية، بحيث لا تتقدّم عليها أيّ مرجعية أخرى.

ومنها، سدّ الطريق أمام كلّ من يدّعي الإمامة، وهو يمارس الأعمال القبيحة والمعاصي.

ومنها، ما سوف يأتي من الاستدلال على وجوب النصّ على الإمام، باعتبار أنّ صفة العصمة صفة باطنية لا يطّلع عليها إلّا الله تعالى.

ومنها، الاستدلال على إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام، باعتبار أنّ الإمامة قد أدّعيت لثلاثة أشخاص لا رابع لهم، وهم: أمير المؤمنين علیه السّلام، وأبو بكر، والعبّاس، وقد أجمع المسلمون على عدم عصمة أبي بكر والعبّاس، فلا يبقى ممّن ادُّعيت له الإمامة إلّا أمير المؤمنين علیه السّلام، فيكون هو الإمام، وإلّا خرج الحقّ من الأمّة بأسرها۱.

وقد آمن المرتضى بكلّ ذلك، واختلف مع المعتزلة الذين رفضوا فكرة عصمة الإمام، واعتبروه رئيساً وقائداً سياسياً عادياً، لكن اشترطوا فيه العدالة التي هي مرتبة أنزل من العصمة۲.

واستدلّ المرتضى على العصمة بما تقدّم آنفاً عند البحث عن وجوب الإمامة من اشتراط ذلك بشرطين، وكان أحدهما ارتفاع العصمة عن الناس، فبما أنّ الناس غير معصومين، فهُم بحاجة إلى من يقودهم ويمنعهم من الظلم والتجاوز على حقوق الآخرين، وذلك من باب اللّطف، فإن كان ذلك الشخص (الإمام) غير معصوم أيضاً، لكان شرط الحاجة إلى الإمام موجوداً فيه، فيكون هو أيضاً بحاجة إلى إمام آخر، وهذا يؤدّي إلى إثبات ما لا يتناهى من الأئمّة، أو ينتهي إلى إمام معصوم، وهو المطلوب۳.

وهكذا تمكّن المرتضى من استثمار أفكار اعتزالية كاللّطف، واستخدامها لخدمة

1.. المصدر السابق، ص۴۳۷.

2.. القاضي عبد الجبّار، المغني (الإمامة ق۱)، ج۲۰، ص۲۰۱.

3.. المرتضی، الذخيرة، ص۴۳۰ - ۴۳۱.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1072
صفحه از 275
پرینت  ارسال به