217
الشريف المرتضى و المعتزلة

والصوم، ومن الطبيعي أنّ معظم التكاليف الفرعية تثبت بالسمع. وبذلك تخلّص البصريون من الإشكالات التي کان يمكن أن ترد عليهم فيما لو قالوا بالوجوب العقلي بما يتنافى مع رؤيتهم إلى الإمامة.

أمّا البغداديون فيظهر أنّهم قبلوا التحدّي، وآمنوا بالوجوب العقلي إضافة إلى السمعي، لكنّهم فسّروه بوجوب دفع الضرر، وواضح أنّ وجوب دفع الضرر لا يجب على الله تعالى؛ لأنّه لا يوجد هناك خطر يتهدّده، وإنّما يجب على المكلّفين، وبذلك سيكون تعيين الإمام واجباً فرعياً فقهياً على المكلّفين، وهو يتوافق تماماً مع الرؤية الاعتزالية العامّة تجاه مسألة الإمامة۱.

وأمّا الإمامية الذين نظروا إلى الإمامة كمسألة أصولية كلامية تجب على الله تعالى، فقد فسّروا وجوبها العقلي باللّطف؛ باعتبار أنّ الإمامة تقرّب إلى الطاعة وتبعّد عن المعصية، وما كان كذلك صار واجباً على الله تعالى من باب اللّطف. وبذلك برع الإمامية في استعارة المفاهيم الاعتزالية كاللّطف، وتوظيفها لخدمة عقائدهم وآرائهم الخاصّة.

ولم يخرج الشريف المرتضى عن المناخ العامّ الإمامي، فقام بالاستدلال بطريقة اللّطف على وجوب الإمامة۲. واشترط في وجوب الرئاسة شرطين: أحدهما ثبوت التكليف العقلي، والآخر ارتفاع العصمة عن الناس، فمتى زال أحد الشرطين أو كلاهما فلا وجوب للرئاسة۳. وبذلك يكون قد وقف مرّة أخرى بوجه المعتزلة، وتمكّن من إثبات رأيه في هذه المسألة.

۲. صفات الإمام

أ - عصمة الإمام

لقد اهتمّ الإمامية منذ عصر الحضور بفكرة عصمة الإمام، فآمنوا بها وركّزوا عليها،

1.. انظر: المحقّق الحلّي، المسلك في أصول الدين، ص۱۸۸.

2.. المرتضی، الذخيرة، ص۴۱۰؛ المرتضی، الشافي في الإمامة، ج۱، ص۴۷؛ المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل الطرابلسيات الثانية)، ج۲، ص۳۲۷ - ۳۲۸.

3.. المرتضی، الذخيرة، ص۴۰۹.


الشريف المرتضى و المعتزلة
216

للإمامية. فلا مبرّر إذن للدخول في هذه البحوث المطوّلة، فهو أمر لا يعنينا في هذا الکتاب التي نحاول فيها معرفة مدى تأثّر المرتضى بالمعتزلة، فإنّه لا يوجد مَن يدّعي أنّ المرتضى كان تابعاً للمعتزلة في مجال الإمامة الخاصّة، فهو ادّعاء باهت وضعيف. ولهذا فضّلنا الاقتصار على بحوث الإمامة العامّة، حيث يمكن أن يُدَّعى بصورة أوّلية أنّ المرتضى تابَعَ المعتزلة في بعضها، لذلك اقتضى الأمر البحث عنها، وذلك كما يلي:

۱. وجوب الإمامة في كلّ عصر

ظهر خلاف حول وجوب الإمامة في كلّ عصر، وهل هي واجبة أم لا؟ وإذا كانت واجبة فهل تجب بالعقل أم بالنقل؟

ذهب المعتزلة والإمامية إلى وجوب الإمامة، لكنّهم اختلفوا، فذهب معتزلة البصرة وعلى رأسهم الجبّائيان أبو عليّ وأبو هاشم والقاضي عبد الجبّار إلى أنّ وجوب الإمامة بالسمع فقط، وأنّها لا تجب بالعقل۱. فيما ذهب الإمامية ومعتزلة بغداد إلى أنّ الإمامة تجب بالعقل إضافة إلى السمع۲.

فلا خلاف إذن بين المعتزلة والإمامية حول ثبوت الإمامة بالسمع، لكنّ الخلاف حول ثبوتها بالعقل أيضاً أم لا۳.

أمّا الإمامية ومعتزلة بغداد القائلون بالوجوب العقلي فقد اختلفوا فيما بينهم، فذهب الإمامية إلى أنّ وجوب الإمامة من باب اللّطف الواجب على الله تعالى، بينما قال معتزلة بغداد إنّ وجوبها ناشئ من وجوب دفع الضرر الواجب على العباد۴.

يبدو أنّ إصرار البصريين على اعتبار وجوب الإمامة بالسمع لا العقل ناشئ من نظرتهم إلى مسألة الإمامة كمسألة فرعية فقهية تجب على المكلّفين كوجوب الصلاة

1.. القاضي عبد الجبّار، المغني (الإمامة ق۱)، ج۲۰، ص۱۶ - ۱۷؛ العلّامة الحلّي، كشف المراد، ص۳۶۲.

2.. الطوسي، الاقتصاد، ص۳۵۳ - ۳۵۴؛ العلّامة الحلّي، كشف المراد، ص۳۶۲.

3.. الطوسي، الاقتصاد، ص۳۵۳.

4.. المرتضی، الذخيرة، ص۴۱۰؛ المحقّق الحلّي، المسلك في أصول الدين، ص۱۸۸؛ مانكديم، شرح الأصول الخمسة، ص۵۱۴؛ المشهداني، الفلسفة الإلهية عن المعتزلة، ص۳۰۵.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 942
صفحه از 275
پرینت  ارسال به