المبحث الرابع:
الإمامة والرئاسة
عندما نشأ علم الكلام لم يكن مؤسّسوه يهدفون إلى تقديم بحوث وآراء نظرية لا تمتّ إلى الواقع بصلة، وإنّما تأسّس علم الكلام لأجل حلّ الكثير من المشاكل الاجتماعية والسياسية. كما شكّلت النزاعات السياسية، وخاصّة تلك التي وقعت في صدر الإسلام، عاملاً مهمّاً في ظهور نظريات ومذاهب كلامية متعدّدة. وقد كان لدخول علم الكلام في الساحة الاجتماعية، وتأثيره على عالم السياسة دور مهمّ في تبنّي الحكومات المتعاقبة ما يلائمها من نظريات كلامية ويصبّ في صالحها، فتُقدَّم نظرية وتطرح أخرى وفقاً لمصالحها. وكان لمسألة الإمامة والرئاسة أهميّة خاصّة وحسّاسة؛ باعتبارها تتدخّل مباشرة في صلب النزاع السياسي القائم آنذاك بين الحكومات والمعارضة السياسية التي كانت تخالفها وتقف في وجهها، فقد ظهرت آراء ونظريات متعدّدة حول الإمامة بقسمَیها العامّ والخاصّ، ما أدّى إلى نشوء فِرَق ومذاهب عديدة، يتطلّب البحث عنها مجلّدات كبيرة.
ونحن هنا في مجال المقارنة بين آراء المرتضى والمعتزلة لا ننوي المقارنة بينهما في مجال الإمامة الخاصّة (أي إمامة أمير المؤمنين علیه السّلام، وباقي الأئمّة الاثني عشر علیهم السّلام)، فإنّ هذا يتطلّب بحوثاً مطوّلة قد أغنانا عن الإشارة إليها المرتضى نفسُه في كتابه المهمّ الشافي، حيث انبرى للردّ على آراء القاضي عبد الجبّار في كتابه المغني، ووقف أمامه وأمام جميع المعتزلة موقف الندّ للندّ، وناقشه في كلّ ما جاء به من آراء تتعارض مع الرؤية العامّة