وبذلك لم يواجه الإمامية المشاكل التي واجهها غيرُهم، فأثبتوا العصمة للأنبياء علیهم السّلام بكلّ تفاصيلها، ومن دون استثناء أيّ فترة أو حالة من حياتهم.
وفي الحقيقة إنّ تقسيم العصمة إلى عصمة من الكبائر، وعصمة من الصغائر، وكلاهما إلى عصمة قبل البعثة وبعد البعثة، إنّما هو من مقتضيات التحدّيات التي واجهت الآخرين، والتي لا تعني الإماميةَ ولا تهمّهم أبداً، لكنّهم أشاروا إلى هذه التقسيمات تماشياً مع الطريقة المتعارفة بين متكلّمي الفِرَق المختلفة حول طرح فكرة عصمة الأنبياء علیهم السّلام.
المرتضى وعصمة الأنبياء علیهم السّلام
لم يواجه الشريف المرتضى - حاله حال كلّ إمامي آخر - المشاكل المتقدّمة التي واجهت الآخرين حول مسألة عصمة الأنبياء علیهم السّلام، ولذلك آمن بعصمتهم بكلّ تفاصيلها، ونسب ذلك إلى الإمامية كلّهم، حيث قال: «اختلف الناس حول الأنبياء علیهم السّلام، فقالت الشيعة الإمامية: لا يجوز عليهم شيء من المعاصي والذنوب، كبيراً كان أو صغيراً، لا قبل النبوّة ولا بعدها»۱.
إنّ نسبة القول بالعصمة إلىٰ «الشيعة الإمامية» يوحي لنا بأنّ الدليل الرئيسي الذي اعتمده المرتضى لإثبات عصمة الأنبياء علیهم السّلام في جميع صورها وأشكالها هو الإجماع، والذي يعدّ دليلاً أساسياً لإثبات العقائد في منظومة المرتضى الفكرية كما تقدّم.
وفي الحقيقة إنّ اختلاف المرتضى - كواحد من متكلّمي الإمامية - والمعتزلة يدور حول عصمة الأنبياء علیهم السّلام عن الصغائر غير المُرذِلة وغير المستخفّة، فقد جوّزها المعتزلة على الأنبياء علیهم السّلام، فيما نفاها المرتضى عنهم، واستدلّ على ذلك بدليل «التنفير» أيضاً، فإنّ النفوس تكون أسكن إلى من لم تَعهد منه قبيحاً بالنسبة إلى من عَهدت منه ذلك. وما ذكره المعتزلة من أنّ الصغائر لا تؤدّي إلّا إلى تقليل الثواب، ناقشه المرتضى بأنّ قلّة الثواب لا يخرجها عن كونها قبيحة وذنباً۲، فكأنّه بذلك رفض وجود صغائر غير قبيحة وغير منفَّرة.