213
الشريف المرتضى و المعتزلة

وقد استدلّ المرتضى على العصمة بأدلّة أخرى، وأهمّها الاستدلال بالمعجزة التي يأتي بها النبيّ، فإنّ المعجزة تدلّ على العصمة إمّا مباشرة أو بصورة غير مباشرة، فإنّها تدلّ على أنّ النبيّ صادق في دعواه وغير كاذب، وهذا يعني أنّه لا يرتكب الكذب في مجال تبليغ الشريعة أبداً. وأمّا دلالة المعجزة على العصمة عن الكذب في الموارد الأخرى وعن الكبائر، فهي الطريقة المتقدّمة المعروفة بطريقة «التنفير»، فإنّ المعجزة تدلّ على وجوب اتّباع النبيّ وتصديقه فيما يؤدّيه وقبوله منه، فمن يكون كاذباً أو يرتكب الكبائر أو يمكن أن يرتكبها، لا تكون نفوس الناس ساكنة إلى قبول قوله واستماع وعظه، كما تكون ساكنة إلى من لا يكون كذلك۱.

إذن لقد استدلّ المرتضى بالمعجزة على العصمة بصورة مباشرة وغير مباشرة، فالمعجزة تدلّ مباشرة على العصمة من الكذب في تبليغ الشريعة، وبصورة غير مباشرة - أي من خلال فكرة «التنفير» - على العصمة عن ارتكاب الكبائر. وهذه الطريقة وإن كانت معهودة من أبي هاشم الجبّائي، ولكن ببيان آخر۲، إلّا أنّ هذا لا يعني أنّ المرتضى قد تابع المعتزلة في فكرة العصمة؛ فهذه الفكرة قديمة عند الإمامية، ويرجع تاريخها إلى عصر الأئمّة علیهم السّلام وأصحابهم۳. إضافة إلى ما تقدّم من أنّنا قد استظهرنا أنّ الدليل الأساسي لإيمان المرتضى بالعصمة هو إجماع الإمامية، وإنّما جاء بالدليل المذكور آنفاً لمجرّد التأييد لا أكثر.

الخلاصة

لم يواجه المرتضى المشاكل التي واجهها المعتزلة وسائر أهل السنّة حول عصمة الأنبياء علیهم السّلام، فأثبت العصمة لهم بكلّ تفاصيلها، واختلف مع المعتزلة حول العصمة من الصغائر المرذِلة والمستخفّة. ويبدو أنّ دليله الأصلي على العصمة هو إجماع الإمامية لا غيره من الأدلّة.

1.. المرتضی، تنزيه الأنبياء والأئمّة علیهم السّلام، ص۲۹؛ المرتضی، الذخيرة، ص۳۳۸.

2.. انظر تفصيل هذا البيان في المصدر التالي: القاضي عبد الجبّار، المغني (التنبؤات والمعجزات)، ج۱۵، ص۳۰۰.

3.. الصدوق، معاني الأخبار، ص۱۳۳.


الشريف المرتضى و المعتزلة
212

وبذلك لم يواجه الإمامية المشاكل التي واجهها غيرُهم، فأثبتوا العصمة للأنبياء علیهم السّلام بكلّ تفاصيلها، ومن دون استثناء أيّ فترة أو حالة من حياتهم.

وفي الحقيقة إنّ تقسيم العصمة إلى عصمة من الكبائر، وعصمة من الصغائر، وكلاهما إلى عصمة قبل البعثة وبعد البعثة، إنّما هو من مقتضيات التحدّيات التي واجهت الآخرين، والتي لا تعني الإماميةَ ولا تهمّهم أبداً، لكنّهم أشاروا إلى هذه التقسيمات تماشياً مع الطريقة المتعارفة بين متكلّمي الفِرَق المختلفة حول طرح فكرة عصمة الأنبياء علیهم السّلام.

المرتضى وعصمة الأنبياء علیهم السّلام

لم يواجه الشريف المرتضى - حاله حال كلّ إمامي آخر - المشاكل المتقدّمة التي واجهت الآخرين حول مسألة عصمة الأنبياء علیهم السّلام، ولذلك آمن بعصمتهم بكلّ تفاصيلها، ونسب ذلك إلى الإمامية كلّهم، حيث قال: «اختلف الناس حول الأنبياء علیهم السّلام، فقالت الشيعة الإمامية: لا يجوز عليهم شيء من المعاصي والذنوب، كبيراً كان أو صغيراً، لا قبل النبوّة ولا بعدها»۱.

إنّ نسبة القول بالعصمة إلىٰ «الشيعة الإمامية» يوحي لنا بأنّ الدليل الرئيسي الذي اعتمده المرتضى لإثبات عصمة الأنبياء علیهم السّلام في جميع صورها وأشكالها هو الإجماع، والذي يعدّ دليلاً أساسياً لإثبات العقائد في منظومة المرتضى الفكرية كما تقدّم.

وفي الحقيقة إنّ اختلاف المرتضى - كواحد من متكلّمي الإمامية - والمعتزلة يدور حول عصمة الأنبياء علیهم السّلام عن الصغائر غير المُرذِلة وغير المستخفّة، فقد جوّزها المعتزلة على الأنبياء علیهم السّلام، فيما نفاها المرتضى عنهم، واستدلّ على ذلك بدليل «التنفير» أيضاً، فإنّ النفوس تكون أسكن إلى من لم تَعهد منه قبيحاً بالنسبة إلى من عَهدت منه ذلك. وما ذكره المعتزلة من أنّ الصغائر لا تؤدّي إلّا إلى تقليل الثواب، ناقشه المرتضى بأنّ قلّة الثواب لا يخرجها عن كونها قبيحة وذنباً۲، فكأنّه بذلك رفض وجود صغائر غير قبيحة وغير منفَّرة.

1.. المرتضى، تنزيه الأنبياء والأئمّة علیهم السّلام، ص۲۷.

2.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۳۹.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 976
صفحه از 275
پرینت  ارسال به