من ذلك التراث، إضافة إلى تقديسهم للخليفتين، إلّا أنّ ذلك اصطدم ببعض مبانيهم في الوعيد والمنزلة بين المنزلتين، فهُم من جهة يؤمنون بأنّ مرتكب الكبيرة لا يستحقّ اسم المؤمن ولا الكافر، وإنّما يستحقّ اسم منزلة متوسّطة بين هذين، والتي يعبّرون عنها بالفسق، فتجويز الكبائر على الأنبياء علیهم السّلام يعني أنّهم لا يستحقّون اسم المؤمن بل اسم الفاسق، وهذا لا يتناسب مع مقام النبوّة بكلّ تأكيد. إضافة إلى أنّ المعتزلة يرون أنّ مرتكب الكبيرة يستحقّ الخلود في جهنم من دون أن يخرج منها، فنسبة الكبائر إلى الأنبياء علیهم السّلام يعني أنّهم كذلك. ولذلك رفضوا نسبة الكبائر إليهم، وجاؤوا بطريقة ذكية لنفي ذلك، وهي طريقة «التنفير»، حيث اعتقدوا أنّ الأنبياء علیهم السّلام منزّهون عن الكبائر في كلّ حالات حياتهم، سواء قبل البعثة أم بعدها؛ وذلك لأنّ ارتكابهم للكبائر يؤدّي إلى تنفير الناس منهم، وعدم اتّخاذهم أسوة، وهو يتنافى مع بعثتهم، ويؤدّي إلى عدم تحقّق المصالح التي بُعثوا من أجلها۱.
أمّا الصغائر فقد نفوها بطريقة التنفير أيضاً، لكن بما أنّ بعض الصغائر لم تكن منفَّرة ولا رذيلة، لذلك لم يكن لهم سبيل إلى نفيها، فأجازوها على الأنبياء علیهم السّلام؛ لأنّها بحسب رؤيتهم لا تؤدّي إلّا إلى قلّة الثواب، فتكون مثل ترك الإكثار من النوافل الذي يؤدّي أيضاً إلى قلّة الثواب۲.
وأمّا مسألة الخليفتين فقد واجهوا فيها مشكلة جديدة، فإنّ فكرة «التنفير» التي آمن بها المعتزلة سوف تشمل بكلّ تأكيد حالة الخليفتين، فما دام ارتكاب الكبائر قبل النبوّة يؤدّي إلى التنفير من الأنبياء علیهم السّلام، فكذلك ارتكاب الخليفتين للكبائر قبل الإسلام سيؤدّي إلى التنفير منهما، فما العمل؟
لم يتمكّن المعتزلة من نفي إمامة الخليفتين بطبيعة الحال، فهي من ركائز عقيدتهم، ولم يتمكّنوا من نفي ارتكابهم للكبائر قبل الإسلام، كما لم يتمكّنوا من نفي وجود «التنفير» بسبب ارتكاب الكبائر، لأنّ هذا سيُبطِل دليلهم المتقدّم حول