211
الشريف المرتضى و المعتزلة

عصمة الأنبياء علیهم السّلاممن الكبائر قبل النبوّة، لذلك اضطرّوا أیضاً إلى قبول وجود التنفير في حالة الخليفتين، إلّا أنّهم اضطرّوا إلى التمييز بين النبوّة والإمامة، فالنبيّ حجّة من الله تعالى فيما حُمَّل به من الشريعة، وبعثته لطف يتعلّق بالتكليف، ولهذا كان التنفير عنه مضرّاً ببعثته، بينما الإمام ليس سوى شخصية عادية كباقي القادة والأمراء الذين يقودون أممهم، والذين يستطيعون قيادة أوطانهم وإن كانت هناك نفرة منهم من جانب شعوبهم، وبذلك وإن أدّى ارتكاب الخليفتين للكبائر قبل الإسلام إلى تنفير الناس منهم، إلّا أنّ هذا لا يضرّ بإمامتهم. قال القاضي عبد الجبّار بهذا الصدد: «فإن قال: يجب على ما ذكرتموه من العلل أن لا يجوز على الأئمّة أن يكونوا كفّاراً من قبلُ، فإذا جاز ذلك على ما تذهبون إليه في أبي بكر وعمر، فجوَّزوا مثله في النبوّات. قيل له: إنّا لم نقل: إنّ وقوع ذلك منهم غيرُ منفَّر، فلا يلزمنا ما ذكرته. فإن قال: فإذا كان منفَّراً، فكيف يجوز أن يُقدَّما في الإمامة على مَن لم يقع منه كفر ولا كبيرة؟ قيل له: لأنّ طريقة التنفير مما لا يجب أن لا يحصل في الأئمّة كما قلنا ذلك في الأنبياء علیهم السّلام؛ من حيث كانوا حجّة فيما تحمّلوه، وكانت بعثتهم من الألطاف التي يتعلّق التكليف بها، وليس كذلك حال الإمام؛ لأنّه ليس بحجّة، فهو كالأمير في هذا الباب. فما قلناه إنّه ينفّر في الأنبياء علیهم السّلام إذا وُجد فيهم نَفَّرَ، لكن الأمور المنفَّرة تصحّ عليهم؛ لأنّهم لم يختصّوا بما يمنع من ذلك، كما قلنا في الأمير والحاكم وغيرهما»۱.

وعندما وصلت النوبة إلى الإمامية لم يجدوا أنفسهم أمام المشاكل التي واجهت أهل الحديث والمعتزلة؛ فتراث الإمامية خالٍ من اتّهام الأنبياء علیهم السّلام بارتكاب الكبائر أو الصغائر، سواء قبل النبوّة أم بعدها، كما أنّ أئمّة الشيعة الإمامية علیهم السّلام الذين تولَّوهم وآمنوا بإمامتهم لم تكن لهم خلفية كفر أو ارتكاب كبائر في الجاهلية، فهذا أمير المؤمنين الإمام عليّ علیه السّلام - وهو الإمام الأوّل للإمامية - قد قضى حياته في التوحيد والإيمان، فقد كان وليد المسجد وشهيد المسجد، وما بينهما قد كرّم الله وجهه، فلم يشرك بالله طرفة عين، وهكذا الأمر بالنسبة لباقي الأئمّة الاثني عشر علیهم السّلام.

1.. المصدر السابق، ص۳۱۲-۳۱۳.


الشريف المرتضى و المعتزلة
210

من ذلك التراث، إضافة إلى تقديسهم للخليفتين، إلّا أنّ ذلك اصطدم ببعض مبانيهم في الوعيد والمنزلة بين المنزلتين، فهُم من جهة يؤمنون بأنّ مرتكب الكبيرة لا يستحقّ اسم المؤمن ولا الكافر، وإنّما يستحقّ اسم منزلة متوسّطة بين هذين، والتي يعبّرون عنها بالفسق، فتجويز الكبائر على الأنبياء علیهم السّلام يعني أنّهم لا يستحقّون اسم المؤمن بل اسم الفاسق، وهذا لا يتناسب مع مقام النبوّة بكلّ تأكيد. إضافة إلى أنّ المعتزلة يرون أنّ مرتكب الكبيرة يستحقّ الخلود في جهنم من دون أن يخرج منها، فنسبة الكبائر إلى الأنبياء علیهم السّلام يعني أنّهم كذلك. ولذلك رفضوا نسبة الكبائر إليهم، وجاؤوا بطريقة ذكية لنفي ذلك، وهي طريقة «التنفير»، حيث اعتقدوا أنّ الأنبياء علیهم السّلام منزّهون عن الكبائر في كلّ حالات حياتهم، سواء قبل البعثة أم بعدها؛ وذلك لأنّ ارتكابهم للكبائر يؤدّي إلى تنفير الناس منهم، وعدم اتّخاذهم أسوة، وهو يتنافى مع بعثتهم، ويؤدّي إلى عدم تحقّق المصالح التي بُعثوا من أجلها۱.

أمّا الصغائر فقد نفوها بطريقة التنفير أيضاً، لكن بما أنّ بعض الصغائر لم تكن منفَّرة ولا رذيلة، لذلك لم يكن لهم سبيل إلى نفيها، فأجازوها على الأنبياء علیهم السّلام؛ لأنّها بحسب رؤيتهم لا تؤدّي إلّا إلى قلّة الثواب، فتكون مثل ترك الإكثار من النوافل الذي يؤدّي أيضاً إلى قلّة الثواب۲.

وأمّا مسألة الخليفتين فقد واجهوا فيها مشكلة جديدة، فإنّ فكرة «التنفير» التي آمن بها المعتزلة سوف تشمل بكلّ تأكيد حالة الخليفتين، فما دام ارتكاب الكبائر قبل النبوّة يؤدّي إلى التنفير من الأنبياء علیهم السّلام، فكذلك ارتكاب الخليفتين للكبائر قبل الإسلام سيؤدّي إلى التنفير منهما، فما العمل؟

لم يتمكّن المعتزلة من نفي إمامة الخليفتين بطبيعة الحال، فهي من ركائز عقيدتهم، ولم يتمكّنوا من نفي ارتكابهم للكبائر قبل الإسلام، كما لم يتمكّنوا من نفي وجود «التنفير» بسبب ارتكاب الكبائر، لأنّ هذا سيُبطِل دليلهم المتقدّم حول

1.. القاضي عبد الجبّار، المغني (التنبؤات والمعجزات)، ج۱۵، ص۳۰۴.

2.. المصدر السابق، ص۲۸۰.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1074
صفحه از 275
پرینت  ارسال به