209
الشريف المرتضى و المعتزلة

تفسير إعجاز القرآن، وبذلك سيكون لهذه النظرية مجال للدخول في المنظومة الفكرية للمرتضى المبنيّة على العلم واليقين.

۴. عصمة الأنبياء علیهم السّلام

لقد كان لتراث أهل السنّة دور هامّ في إثارة البحث حول عصمة الأنبياء علیهم السّلام، فقد احتوى هذا التراث الموصوف أحياناً بالصحيح على مجموعة من القصص والحكايات التي تطعن في بعض الأنبياء علیهم السّلام، وتنسب إليهم ارتكاب الكبائر۱. ولهذا أجاز الحشوية وأهل الحديث من أهل السنّة الكبائرَ كلّها على الأنبياء علیهم السّلام، واستثنوا من ذلك الكذب؛ لأنّ تجويزه سوف يؤدّي إلى الشكّ والارتياب في كلّ ما يقوله النبيّ علیه السّلام، وهو يؤدّي إلى ضياع الشريعة، أمّا قبل البعثة فقد أجازوا ارتكاب الكبائر كلها وبلا استثناء على الأنبياء علیهم السّلام۲.

ويبدو أنّ هناك عاملاً آخر أثّر على بحث العصمة، وأدّى إلى التمييز بين الكبائر والصغائر، وهو سلوك الخلفاء الذين وصلوا إلى سدّة الحكم بعد رسول الله صلی الله علیه و آله، وخاصّة الخليفتين الأوّل والثاني، فقد امتلك هذان الخليفتان قدسية خاصّة لدى أهل السنّة، بحيث لو تمكّنوا لجعلوهم في مصافّ الأنبياء علیهم السّلام، إلّا أنّ الواقع اصطدم بحقيقةِ شخصيةِ الخليفتين قبل الإسلام، فهما قد قضيا نصف عمرهما أو أكثر من ذلك في الكفر وارتكاب الكبائر، كشرب الخمر والسجود للأصنام وغير ذلك، وأنّ حقيقة ارتكاب الخليفتين للكبائر قبل الإسلام أمر لا يُنكر، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإنّ وصولهما إلى مستوى القدسية بحيث مُنحوا مقاماً قد يساوي بعض الأنبياء علیهم السّلام، كلّ هذا سهّل تقبُّل ارتكاب الأنبياء علیهم السّلام للكبائر، فما دامت هناك شخصيات إسلامية مقدّسة كانت ترتكب الكبائر قبل الإسلام، فلِمَ لا يجوز ذلك على الأنبياء علیهم السّلام؟!! لقد طرحت هذه العوامل وغيرها المجال واسعاً أمام السنّة للتشكيك في عصمة الأنبياء علیهم السّلام.

وقد كانت كلّ هذه العوامل مطروحة أمام المعتزلة أيضاً؛ لإيمانهم بصحّة الكثير

1.. القاضي عبد الجبّار، المغني (التنبؤات والمعجزات)، ج۱۵، ص۳۰۳.

2.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۳۸.


الشريف المرتضى و المعتزلة
208

النظرية ظنّية أو حتّى إذا كان احتمال بطلانها ضئيلاً جدّاً فسوف يتمّ رفضها وإخراجها من تلك المنظومة. ولهذا فإنّ الإشكال الثاني المتقدّم والذي أورده المرتضى على كلّ من يرفض فكرة الصرفة، كان إشكالاً احتمالياً لا يساوي احتمال صحّته شيئاً يُذكر، ولذلك وصفناه بأنّه إشكال خيالي، ولكن مع ذلك فإنّه احتمال مطروح رغم كونه ضئيلاً جدّاً. وبناءً على نظرية الصرفة يمكن نفي كلّ الاحتمالات الضئيلة والإشكالات - حتّى الإشكال الثاني المتقدّم - والوصول إلى العلم واليقين، فبناءً على هذه النظرية يمكن أن يقال في جواب الإشكال الثاني المتقدّم: يقبح صرف العرب عن معارضة هذا الشخص المدّعي للنبوّة، والذي سرق القرآن من النبيّ الحقيقي وقتله، فمن الواضح أنّ صرف العرب عن معارضته أمر قبيح۱. وبذلك ارتفع ذلك الإشكال وذلك الاحتمال الضئيل، فتصل دلالة نظرية الصرفة على نبوّة النبيّ صلی الله علیه و آله إلى درجة القطع والعلم، وبذلك يُفتح المجال أمام هذه النظرية للدخول في المنظومة العلمية واليقينية التي شاد صرحها الشريف المرتضى. كما اتّضح أنّ سبب وسرّ تبنّيه لها هو أنّها تؤمّن عنصر العلم واليقين الذي يشكّل أساس مدرسته الفكرية.

النتيجة

لقد وقف المرتضى في مسألة الصرفة على النقيض من كبار معتزلة عصره بشقّيهم البصري والبغدادي، بحيث رفض نظرياتهم في تفسير إعجاز القرآن، وركّز على الصرفة كنظرية وحيدة يمكن الدفاع عنها في هذا المجال، وأكّد على أنّ حقيقة الصرفة عبارة عن سلب العرب العلوم - لا القدرات البدنية - التي تساعدهم على معارضة القرآن في مجال الفصاحة والنظم، وذلك أنّ الله تعالى - وفقاً لمباني المرتضى - هو الوحيد القادر على التصرّف في قلوب الآخرين، فهو قادر على إيجاد العلوم فيها أو سلبها عنها، وهو أمر لا يقدر عليه المخلوقون من بشر أو جنّ أو ملائكة. كما كان الدافع له للاهتمام بنظرية الصرفة هو أنّها نظرية تؤدّي إلى حصول العلم واليقين بنبوّة النبيّ صلی الله علیه و آله، على خلاف النظريات الأخرى التي تحاول

1.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۹۵؛ المرتضی، الموضح (الصرفة)، ص۱۹۵.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 927
صفحه از 275
پرینت  ارسال به