207
الشريف المرتضى و المعتزلة

تعالى يسلب قدرتهم على ذلك، مثل أن يسلب ألسنتهم القدرة على الكلام عند محاولة القيام بالمعارضة؟ إنّ معرفة سبب ذلك سيتّضح إذا ما تعرّفنا على جواب المرتضى عن الإشكال الأوّل المتقدّم الذي وجّهه إلى كلّ المنكرين لنظرية الصرفة، والذي سُمّي بـ «مسألة الجنّ»، فقد أجاب المرتضى عنه، وقال: إنّ الوحيد القادر على الإجابة على هذا الإشكال هو القائل بالصرفة، فإنّ من يؤمن بالصرفة يقول: إنّ من يريد المعارضة يسلب الله تعالى منه علومه، وهذا الأمر لا يقدر عليه أحد من الإنس ولا الجنّ ولا حتّى المَلَك؛ وذلك لأنّ قدرة هؤلاء زائدة على ذاتهم، فالجنّ مثلاً قادر بقدرة، وكلّ من كان قادراً بقدرة، لا يستطيع أن يؤثّر في قلب أحد فيوجِد فيه علماً أو يسلبه منه، والوحيد القادر على ذلك هو الله تعالى؛ لأنّ قدرته ليست زائدة على ذاته، بل هو قادر بنفسه، وبذلك يستطيع أن يوجِد علماً في قلب الأشخاص أو يسلبه منهم۱.

وبهذا اتّضح الجواب عن «مسألة الجنّ»، فإنّ الجنّ قادر بقدرة، وبذلك لا يمكنه أن يسلب العلوم من العرب الذين حاولوا معارضة القرآن. كما اتّضح سبب تأكيد المرتضى عند بيانه حقيقة الصرفة على أنّ حقيقتها هي سلب العلوم لا سلب القدرة - وهو السؤال الذي طرحناه آنفاً - وذلك لأنّه يمكن أن يقال: إنّ الجنّ قادرون على سلب القدرة على الكلام عن ألسنة العرب، فنحن لا نعلم مدى حدود قدرة الجنّ، وليست عندنا قاعدة كلية عقلية تنفي قدرتهم على ذلك، بينما كانت عندنا هكذا قاعدة دلّت على عدم قدرة الجنّ على سلب العلوم من قلب أحد، وقد تقدّمت قبل قليل.

ج - سبب تبنّي المرتضى للصرفة

تقدّم من خلال بحوث هذا الکتاب أنّ المرتضى كان يسعى لبناء منظومة فكرية عقائدية محكمة ومبنية على أساس رصين، وذلك الأساس هو العلم واليقين، فكلّ فكرة ونظرية لا يتمّ القبول بها في تلك المنظومة إلّا بعد أن تكون يقينية، فلو كانت

1.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۹۳؛ المرتضی، الموضح (الصرفة)، ص۱۶۸ - ۱۶۹.


الشريف المرتضى و المعتزلة
206

ب - حقيقة الصرفة عند المرتضى

بعد أن هدم المرتضى جميع النظريات المطروحة وعلى رأسها نظرية الفصاحة، قام بطرح نظرية الصرفة كبديل وحيد لا ثاني له.

وقد فسّر هذه النظرية بأنّ النبيّ صلی الله علیه و آله قد تحدّى المشركين أن يأتوا بكلام فصيح كالقرآن، وأنّ الله تعالى صَرَفهم عن أن يأتوا بكلام يضاهي القرآن في فصاحته وطريقته ونظمه، وذلك من خلال سلب العلوم المساعدة على معارضة القرآن من كلّ من حاول القيام بذلك۱.

إذن إعجاز القرآن ليس كامناً في ألفاظ القرآن ومحتوياته وفصاحته، بل إعجازه مقارِن له، فالصرف على أيّ حال أمر معجز وخارق للعادة، وهو مقارِن للتحدّي بالقرآن. وهذا لا يعني أنّ القرآن سوف لن يكون «معجزاً»، ولايصحّ أن يقال إنّه ليس «معجزة للنبي صلی الله علیه و آله»؛ لأنّ «المعجز» في الحقيقة هو ماكان له حظّ (أي دخالة) في الدلالة على صدق من جاء به، وممّا لا شكّ فيه أنّ القرآن - وفقاً لنظرية الصرفة - له هذا الحظّ وهذه الدخالة؛ لأنّه لولا التحدّي بالقرآن لما حصل الصرف. ثم إنّ العرف يفهم من قولنا: «إنّ القرآن ليس بمعجز» أنّه لايدلّ على النبوّة، وأنّ البشر يقدرون على مثله، لكنّ القائل بالصرفة لايدّعي أنّ البشر قادرون على مثل القرآن؛ لأنّهم سوف يُصرَفون عن ذلك عندما يحاولون المعارضة. وإذا قيل إنّ المقصود من إعجاز القرآن «أنّه خارق للعادة في نفسه، دون ما هو مسند إليه، ودالّ عليه من الصرف عن معارضته» فهذا المعنى للإعجاز لا يرتضيه المرتضى، ويقول: إنّ هذا المعنى للإعجاز «ممّا لايعرفه مَن يُراد الشناعة عندهم»۲.

ومن جهة أخری، لماذا ركّز المرتضى عند طرحه لنظرية الصرفة على فكرة أنّ الله تعالى يسلب من يريد المعارضة العلومَ التي تساعده على المعارضة، ولم يقل إنّ الله

1.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۸۰.

2.. المصدر السابق، ص۳۸۲؛ الموضح (الصرفة)، ص۶۷ - ۶۸.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 988
صفحه از 275
پرینت  ارسال به