205
الشريف المرتضى و المعتزلة

الجنّ في مجال الفصاحة، فلعلّها خارقة للعادة، وبذلك لايمكن الوثوق بأنّ مَن جاء بالقرآن نبيٌّ حقّاً، وقد أُرسل من جانب الله تعالى۱.

إنّ أهمّ جواب أجاب به المتكلّمون على هذا الإشكال، هو أنّه سيؤدّي إلى الوقوع في الفساد بسبب اتّباع نبيّ كاذب، وحكمتُه تعالى تقتضي أن يمنع من تحقّق الفساد.

إلّا أنّ المرتضى رفض هذه الإجابة؛ وأكّد على أنّ دفع الفساد غير واجب على الله تعالى، وإلّا لوجب عليه أن يمنع كلّ صاحب شبهة وإشكال وبدعة من نشر شبهته وإشكاله وبدعته، مع أنّنا نرى جماعة - مثل ماني والحلّاج وغيرهم - قد جاؤوا ببدع وشبهات أدّت إلى فساد الكثير من الناس، ولم يمنعهم الله تعالى من نشر تلك البدع والشبهات۲.

وهناك أجوبة وإشكالات أخرى للمتكلّمين على «إشكال الجنّ» ناقشها المرتضى بأجمعها۳، وقد أهملنا ذكرها لعدم امتلاكها أهميّة كبيرة.

الإشكال الثاني: وهذا الإشكال يركّز على احتمالٍ يبدو ضعيفاً وخيالياً، إلّا أنّه على كلّ حال ينبغي على القائلين بالفصاحة مناقشته، كي يحصل الجزم بصحّة دلالة فصاحة القرآن على نبوّة النبيّ صلی الله علیه و آله. والإشكال كالتالي: يمكن التسليم بأنّ القرآن خارق للعادة في مجال فصاحته ونظمه، ولا يوجد بشر، أو جنّ، أو حتّى مَلَك قادر على الإتيان بمثله، وأنّه قد أنزله الله تعالى على أحد الأنبياء علیهم السّلام، لكن يُحتمل أنّه بعد ذلك جاء شخصٌ إلى ذلك النبيّ قبل أن يُعلن دعوته، فأخذ القرآن منه وقتله، ثم ادّعى ذلك الشخص أنّه نبيّ، وأنّ القرآن معجزته، فكيف يمكن دفع هذا الاحتمال؟۴

وسوف يأتي أنّ بإمكان نظرية الصرفة التغلّب على هذين الإشكالين.

1.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۸۵؛ المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل الرسية الأولى)، ج۲، ص۳۲۵.

2.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۸۶؛ المرتضی، الموضح (الصرفة)، ص۱۳۹.

3.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۸۸ - ۳۹۳.

4.. المصدر السابق، ص۳۹۳. والعبارة في المطبوع من الذخيرة مشوّشة، لكن نفس هذا الإشكال مذكور في كتاب الموضح، ص۱۷۸ وبعبارة واضحة، فراجع.


الشريف المرتضى و المعتزلة
204

- حسب قوله - لأنّ الكلام معهم أوسع، ومذهبهم أقوى شبهة۱، وكان أهمّ إشكال وجّهه إليهم هو إنكار أصل ما ادّعوه من أنّ فصاحة القرآن خارقة للعادة، وأنّ البشر عاجزون عن المجيء بمثلها. لقد أنكر المرتضى ذلك من الأساس؛ لأنّه إذا كان ذلك صحيحاً لكان من اللازم أن نميّز بين فصاحة القرآن وفصاحة كلام العرب، ونعرف الفارق بينهما بكلّ سهولة، كما هو الحال بين كلّ أمر معتاد وخارق للعادة. أضف إلى ذلك أنّنا نميّز بين شعر الطبقة الأولى من الشعراء وبين شعر المحدَثين، من دون حاجة للرجوع إلى أصحاب الخبرة والإلمام بالبلاغة وأسرار العربية، مع أنّ الفارق بينهما ليس فارقاً كبيراً كما هوالفارق بين الأمور المعتادة والخارقة للعادة۲.

أمّا نظرية نظم القرآن التي آمن بها أبو القاسم البلخي رأس معتزلة بغداد، وقال: إنّ نظم القرآن وتأليفه مستحيلان على العباد، كاستحالة إحداث الأجسام. فقد أشكل عليه الشريف المرتضى بأنّ القرآن ليس له نظم وتأليف حقيقي، وإنّما قد استعير له هذا اللفظ (النظم) باعتبار أنّه حدث بعضه إثر بعض، تشبيهاً له بتأليف الجواهر ونظمها، وبذلك لا يصحّ القول: إنّ تأليف القرآن مستحيل على العباد. أضف إلى ذلك فإنّ القرآن مركّب من حروف المعجم التي يقدر عليها كلّ متكلّم، وبذلك لا يستحيل الإتيان بتركيب لحروف يشبه تركيب حروف القرآن۳.

ثم لقد وجَّه المرتضى إشكالَين عامَّين لكلّ من خالفه وأنكر فكرة الصرفة، والإشكالان هما:

الإشكال الأوّل: وهو الذي عبّر عنه بـ «مسألة الجنّ»، أو «إشكال الجنّ»، وهو أنّه يمكن أن يكون القرآن من صناعة بعض الجنّ، حيث قام بصياغته صياغة فصيحة، وخارقة لعادة البشر، ثم ألقاه إلى مدّعي النبوّة، فما يدرينا، لعلّ قدرة الجنّ في مجال الفصاحة أكبر بكثير من قدرة البشر، فنحن لا نعرف بالدقّة مدى قدرة

1.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۷۹.

2.. المصدرالسابق.

3.. المصدرالسابق، ص۴۰۰؛ المرتضى، الموضح (الصرفة)، ص۱۰۷-۱۰۸.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1047
صفحه از 275
پرینت  ارسال به