الجنّ في مجال الفصاحة، فلعلّها خارقة للعادة، وبذلك لايمكن الوثوق بأنّ مَن جاء بالقرآن نبيٌّ حقّاً، وقد أُرسل من جانب الله تعالى۱.
إنّ أهمّ جواب أجاب به المتكلّمون على هذا الإشكال، هو أنّه سيؤدّي إلى الوقوع في الفساد بسبب اتّباع نبيّ كاذب، وحكمتُه تعالى تقتضي أن يمنع من تحقّق الفساد.
إلّا أنّ المرتضى رفض هذه الإجابة؛ وأكّد على أنّ دفع الفساد غير واجب على الله تعالى، وإلّا لوجب عليه أن يمنع كلّ صاحب شبهة وإشكال وبدعة من نشر شبهته وإشكاله وبدعته، مع أنّنا نرى جماعة - مثل ماني والحلّاج وغيرهم - قد جاؤوا ببدع وشبهات أدّت إلى فساد الكثير من الناس، ولم يمنعهم الله تعالى من نشر تلك البدع والشبهات۲.
وهناك أجوبة وإشكالات أخرى للمتكلّمين على «إشكال الجنّ» ناقشها المرتضى بأجمعها۳، وقد أهملنا ذكرها لعدم امتلاكها أهميّة كبيرة.
الإشكال الثاني: وهذا الإشكال يركّز على احتمالٍ يبدو ضعيفاً وخيالياً، إلّا أنّه على كلّ حال ينبغي على القائلين بالفصاحة مناقشته، كي يحصل الجزم بصحّة دلالة فصاحة القرآن على نبوّة النبيّ صلی الله علیه و آله. والإشكال كالتالي: يمكن التسليم بأنّ القرآن خارق للعادة في مجال فصاحته ونظمه، ولا يوجد بشر، أو جنّ، أو حتّى مَلَك قادر على الإتيان بمثله، وأنّه قد أنزله الله تعالى على أحد الأنبياء علیهم السّلام، لكن يُحتمل أنّه بعد ذلك جاء شخصٌ إلى ذلك النبيّ قبل أن يُعلن دعوته، فأخذ القرآن منه وقتله، ثم ادّعى ذلك الشخص أنّه نبيّ، وأنّ القرآن معجزته، فكيف يمكن دفع هذا الاحتمال؟۴
وسوف يأتي أنّ بإمكان نظرية الصرفة التغلّب على هذين الإشكالين.
1.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۸۵؛ المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل الرسية الأولى)، ج۲، ص۳۲۵.
2.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۸۶؛ المرتضی، الموضح (الصرفة)، ص۱۳۹.
3.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۸۸ - ۳۹۳.
4.. المصدر السابق، ص۳۹۳. والعبارة في المطبوع من الذخيرة مشوّشة، لكن نفس هذا الإشكال مذكور في كتاب الموضح، ص۱۷۸ وبعبارة واضحة، فراجع.