في الصرف عنه إلى آخر الزمان. وهذا من أوضح برهان في الإعجاز، وأعجب بيان»۱. إلّا أنّ القطب الراوندي والعلّامة المجلسي ادّعيا أنّ الشیخ المفید رجع عن هذا الرأي۲، ولكن لم يذكرا اسم الكتاب أو الرسالة التي رجع فيها عن رأيه.
وظهر بعد ذلك الشريف المرتضى وتبنّى النظرية وحاول الدفاع عنها بقوّة، ونقد جميع الوجوه الأخرى التي ذكرت لإعجاز القرآن، حتّى إنّه ألّف كتاباً مستقلّاً حول هذا الموضوع سمّاه: الموضح عن جهة إعجاز القرآن حيث خصّصه للبحث عن الصرفة، وناقش فيه بالخصوص كلام القاضي عبد الجبّار في كتابه الكبير المغني. وبذلك تحوّل المرتضى إلى أكبر وأبرز متكلّم على الإطلاق تبنّى نظرية الصرفة، وألّف فيها ونظّر لها، ودعمها بكلّ ما أوتي من قدرات كلامية وجدلية.
ومن بعده اختلف الإمامية بين من استمرّ على الإيمان بالصرفة كأبي الصلاح الحلبي، وأبي المجد الحلبي، والمقري النيسابوري۳، وبين من رفضها وفضّل القول بالفصاحة كالشيخ الطوسي۴، وبين من ساوى بين الصرفة والفصاحة في الاحتمال، فقد صرّح الخواجة الطوسي، ومن بعده العلّامة الحلّي بأنّ كلا الأمرين محتمل۵.
أمّا الشيخ سديد الدين الحُمُّصي فقد نقل عن أستاذه رشيد الدين - وهو ابن شهر آشوب (ت۵۸۸ه ) - إشكالاً على القول بالفصاحة وتأييداً للصرفة۶، فيظهر أنّ أستاذه كان يؤمن بالصرفة أيضاً.
أ - نقد نظرية فصاحة القرآن ونظمه
لقد وجّه المرتضى همَّه لنقد نظرية فصاحة القرآن التي آمن بها معتزلة البصرة؛ وذلك
1.. المفيد، أوائل المقالات، ص۶۳.
2.. الراوندي، الخرائج والجرائح، ج۳، ص۹۸۱؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج۱۷، ص۲۲۴.
3.. الحلبي، تقريب المعارف، ص۱۰۵ - ۱۰۷؛ الحلبي، إشارة السبق، ص۴۲؛ المقري النيسابوري، التعليق، ص۱۸۱.
4.. الطوسي، الاقتصاد، ص۱۷۲ - ۱۷۳.
5.. العلّامة الحلّي، كشف المراد، ص۳۵۷.
6.. الحُمُّصي الرازي، المنقذ من التقليد، ج۱، ص۴۶۸ - ۴۶۹.