199
الشريف المرتضى و المعتزلة

وقد ناقش المرتضى الأدلّة التي أقامها أبو هاشم الجبّائي وغيره من المعتزلة على عدم جواز ذلك وأبطلها۱ وأمّل أن يَكتب رسالة مستقلّة يستقصي فيها الكلام حول هذا الموضوع۲، لكن يبدو أنّه لم يوفّق لذلك.

تحليل: نحاول من خلال التحليل التالي أن نستوضح سبب توجّه معظم الإمامية في عصر الغيبة الكبرى إلى الاعتقاد بجواز ظهور المعجزة - أو وجوبه أحياناً - على يد الأئمّة علیهم السّلام.

في الحقيقة لقد كان التعرّف على شخص الإمام علیه السّلام في عصر الحضور أمراً يسيراً وسهلاً، فعلى سبيل المثال عندما نُصَّ على الإمام جعفر الصادق علیه السّلام بالإمامة من قِبَل أبيه الإمام الباقر علیه السّلام، لم تكن هناك حاجة لمعرفة شخص الإمام الصادق علیه السّلام، أي لم تكن هناك حاجة للتحقّق من أنّ الإمام الصادق علیه السّلام المنصوص عليه هو هذا الشخص أو ذاك؛ وذلك لأنّ شخص وملامح الإمام الصادق علیه السّلام كانت معروفة عند أعداد كبيرة من الناس الذين عايشوه في المدينة وعرفوه منذ صباه. وقد بقيت هذه الحالة طوال فترة الحضور، وحتّى إلى نهاية عصر الغيبة الصغرى، ففي هذا العصر وإن كان شخص الإمام علیه السّلام غائباً، لكن كانت هناك مجموعة من ثِقات الشيعة قد رأوه وعرفوا شخصه وشكله وملامحه، فلو كان قد ظهر في تلك الفترة لم يكن إثبات أنّ هذا الشخص الذي يدّعي أنّه الإمام المهديّ علیه السّلام هو نفسُه حقّاً، أمراً صعباً؛ لأنّ الثِقات الذين رأوه وعايشوه يستطيعون التأكّد من ذلك، وإخبار الناس به.

ولكن عندما حصلت الغيبة الكبرى، وانقطع الناس بصورة كاملة عن الإمام علیه السّلام، بحيث لم يعد يُرى إلّا من قِبَل الخواصّ المجهولين بالنسبة إلينا، والذين كانوا يكتمون رؤيتهم له، صار التعرّف على شخص الإمام علیه السّلام وملامحه أمراً عسيراً، فلو ظهر الإمام في هذا العصر فسوف لن يتمكّن أحد من التعرّف على شخصه وشكله. فما هو السبيل حينئذ للتعرّف عليه، ما دام أنّ النصّ على إمامة ابن الحسن العسكري علیه السّلام غيرُ كافٍ

1.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۳۳ - ۳۳۷؛ المرتضی، الشافي في الإمامة، ج۱، ص۱۹۶ - ۲۰۰.

2.. المرتضی، الشافي في الإمامة، ج۱، ص۱۹۹ - ۲۰۰.


الشريف المرتضى و المعتزلة
198

أمّا الإمامية فقد ذهب أكثرهم إلى جواز ظهور المعجزة على يد غير الأنبياء علیهم السّلام من الأئمّة والصالحين وأفاضل المؤمنين. وقد نسب الشيخ المفيد هذا الرأي إلى «جمهور أهل الإمامة»۱، فيما نسبه المرتضى إلى «أصحابنا»۲، ونسبه القاضي عبد الجبّار إلى «كثير من الإمامية»۳.

وقد نسب الشيخ المفيد الخلافَ إلى بني نوبخت الذين كانوا يعيشون في عصر الغيبة الصغرى، فقد اتّفقوا مع المعتزلة على عدم جواز ظهور المعجزة على يد الأئمّة علیهم السّلام۴.

ومِن أبرز مَن ذهب إلى جواز ذلك من الإمامية الشيخُ المفيدُ، فقد ذهب إلى جواز ذلك عقلاً، وأنّه لا يوجد في العقل ما يدلّ على وجوب ذلك أو امتناعه، لكن بما أنّ الروايات المتظافرة قد دلّت على ظهور المعجزة على يد الأئمّة علیهم السّلام، لذلك قطع بتحقّقها من جهة السمع۵.

وممّن ذهبوا إلى جواز ذلك أيضاً الشريفُ المرتضى، حيث ابتعد في هذه المسألة عن المعتزلة، ووقف في وجههم، وصرّح بأنّ المعجزة قد يجوز ظهورها على يد الأئمّة علیهم السّلام أحياناً، وقد تجب أحياناً أخرى، أمّا ظهورها على يد الصالحين وأفاضل المؤمنين فهو جائز غير واجب۶.

واستدلّ على ذلك بأنّ المعجزة تدلّ على صدق دعوى من يدّعيها، فإن ادّعى النبوّة دلّت على نبوّته، وإن ادّعى الإمامة دلّت على ذلك، وإن ادّعى صلاحاً دلّت على صدقه فيما يقوله. إضافة إلى أنّ ظهور المعجزة على يد غير الأنبياء علیهم السّلام ليس فيه أيّ وجه من وجوه القبح حتّى يُمنع منه، وبذلك تكون جائزة۷.

1.. المفيد، أوائل المقالات، ص۶۸.

2.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۳۲.

3.. القاضي عبد الجبّار، المغني (التنبؤات والمعجزات)، ج۱۵، ص۲۱۸.

4.. المفيد، أوائل المقالات، ص۶۸.

5.. المصدر السابق.

6.. المرتضی، الذخيرة، ص۳۳۲.

7.. المصدر السابق؛ المرتضی، الشافي في الإمامة، ج۱، ص۱۹۶.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1153
صفحه از 275
پرینت  ارسال به