195
الشريف المرتضى و المعتزلة

القضاة إلى أنّ مَن عَلِم اللهُ تعالى أنّه يموت وليست له أعواض تكافئ وتساوي الأعواض المستحَقّة عليه في ذمّته، فإنّ الله تعالى يمنعه من الظلم، أمّا إذا عَلِم أنّه سوف يحصل خلال حياته وبعد ارتكاب جرائمه على أعواض تكافئ ما في ذمّته من أعواض، فإنّه يمكّنه من الظلم وإنْ لم يمتلك عوضه في حال ارتكاب الظلم۱.

لكنّ المرتضى اختلف معهم في ذلك، وذهب إلى أنّ الله تعالى لا يمكّن أحداً من الظلم إلّا أن يمتلك في نفس الوقت مقداراً من الأعواض يكافئ ما يستحقّ عليه بسبب ذلك الظلم، واستدلّ على ذلك بما يلي: أنّه تعالى مكّنه من الظلم، فيجب عليه أن يتمكّن من الانتصاف منه في نفس الوقت، لكنّه لا يمكِنه ذلك، بسبب قصور أعواض الظالم عمّا في ذمّته.

ثم ذكر المرتضى إجابة لأبي هاشم على هذا الإشكال، وهي أنّه تعالى يعلم بأنّ الظالم سيحصل قبل موته على أعواض تكافئ مافي ذمّته، وهذا كافٍ لحصول الانتصاف. فأجابه المرتضى بأنّه يجوز لشخص آخر أن يقول: يجوز أن يموت الظالم ويَرِد القيامة وهو غير مستحقّ من الأعواض ما يوازي ما عليه في ذمّته، ثم يتفضّل الله تعالى عليه بمقدار من الأعواض يكون مكافئاً لما عليه. إلّا أنّ هذا لا يرضى به أبو هاشم؛ لأنّه اشترط أن يحصل الظالم على الأعواض المستَحَقّة عليه قبل موته. فإن أجاب أبو هاشم على النقض الأخير بأنّه تعليق لأمر واجب - وهو الانتصاف - على أمر غير واجب - وهو التفضّل - وهو باطل، فيقال له: وأنت قد علّقت الانتصاف الواجب على إبقاء الظالم حيّاً حتّى يحصل على الأعواض في هذه الحياة، والإبقاء حيّاً ليس واجباً۲. وبهذا وقف المرتضى وجهاً لوجه مع معتزلة البصرة في هذه المسألة، واختلف معهم أشدَّ الاختلاف.

ب - ما يلزم من العوض بالقتل

ذهب البصريون إلى أنّ مَن قتل شخصاً، وكان يمكن لهذا الشخص - لولا

1.. القاضي عبد الجبّار، المغني (اللطف)، ج۱۳، ص۴۷۲، ۴۹۴؛ المرتضی، الذخيرة، ص۲۴۳.

2.. المرتضی، الذخيرة، ص۲۴۴.


الشريف المرتضى و المعتزلة
194

إثبات الألم، والوجوه التي يحسن أو يقبح لأجلها، والوجوه التي يفعل الله تعالى الألم لأجلها. ثم بحثوا عن العوض الذي يستحقّه الإنسان مقابل الآلام والشرور التي يتعرّض لها، وأنّه متى يجب العوض على الله تعالى ومتى لا يجب، وهل أنّ العوض دائم أو منقطع؟ وهل يسقط بالهبة والإبراء؟۱ إلى غير ذلك من الأبحاث التي قد حُذف أكثرها من الكتب الكلامية المتأخّرة، إلّا أنّ بعضها يُبحث عنه تحت عنوان: «مسألة الشرور».

وقد التقى المرتضى مع معتزلة البصرة في بعض هذه الأبحاث، إلّا أنّه اختلف معهم في مواطن أخرى لا تقلّ شأناً من تلك التي التقى فيها معهم. ومن أهمّ المسائل التي اختلف فيها مع البصريين هي:

أ - مساواة الأعواض مع مقدار الظلم حين وقوعه

عندما يقع الظلم من الظالم، يجب عليه دفع عوض ذلك إلى المظلوم، فلو قتل إنسانٌ إنساناً وجب عليه عوضه، أمّا الله تعالى الذي مكّن الظالم من الظلم من خلال إعطائه القدرة والاختيار فلا يجب عليه العوض؛ لأنّ العوض لا يجب بالتمكين، وإلّا فسوف يجب على الحدّادين وصانعي السيوف دفع عوض الجنايات التي تُرتكب بالسيوف التي يصنعونها؛ لتمكينهم الجُناة من ارتكاب الجريمة من خلال صناعتهم السيوف. إذن لايجب العوض على الله تعالى بسبب تمكينه من الظالم، ولكنّ ذلك التمكين يوجِب عليه الانتصاف من الظالم۲.

وحينئذ يرد السؤال التالي: إذا لم يجب العوض على الله تعالى، ووجب على الظالم، ففي هذه الحالة قد يرتكب الظالم جرائم عديدة من قتل ونهب وإبادات جماعية بحيث نقطع بأنّه لا يمتلك ذلك المقدار من الأعواض التي يتمكّن بواسطتها من دفع عوض كلّ الجرائم التي ارتكبها، فكيف يمكن في هذه الحالة الانتصاف منه؟ في هذه النقطة اختلف المرتضى مع البصريين، فقد ذهب أبوهاشم وقاضي

1.. المرتضی، الذخيرة، ص۲۱۱ - ۲۶۱؛ القاضي عبد الجبّار، المغني (اللطف)، ج۱۳، ص۲۶۶.

2.. المرتضی، الذخيرة، ص۲۴۲.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1133
صفحه از 275
پرینت  ارسال به