179
الشريف المرتضى و المعتزلة

إلى جانب أبي عبدالله البصري على حساب أبي هاشم الجبّائي.

۶. الاستطاعة والقدرة

أولى المتكلّمون أهميّة خاصّة ببحث الاستطاعة والقدرة، وعرّفوها بأنّها عبارة عن صفة تقتضي صحّة الفعل لا إيجابه۱، أي أنّ القادر يستطيع أن يفعل أو يترك متى شاء، واختلفوا بذلك مع الفلاسفة الذين عرّفوا القادر وفقاً لمبانيهم في مجال علاقة العلة والمعلول بأنّه: «إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يفعل»۲.

وقد برز هذا البحث كمسألة ذات أهميّة خاصّة بين متكلّمي الإمامية وأصحاب الأئمّة علیهم السّلام في عصر الحضور، ويمكن اعتبار زرارة بن أعين (ت۱۵۰ه‍ ) أقدم مَن طرح هذا البحث وتبنّى نظريةً فيه، حيث نُسب إليه القول بأنّ الاستطاعة هي الزاد والراحلة۳، أو هي الصحّة۴، بمعنى أنّ من توفّرت لديه هذه الأمور، يكون مستطيعاً للحجّ، وليس الحجّ إلّا مثالاً للاستطاعة باعتباره وارداً في القرآن، وإلّا فإنّ المقصود من نظرية زرارة هو أنّ من توفّر لديه ما يحتاج إليه الفعل، فسوف يكون مستطيعاً وقادراً على القيام بذلك الفعل، سواء قام به أم لا. ويدلّ هذا الكلام على أنّ زرارة كان يذهب إلى القول بالقدرة قبل الفعل، وبذلك يكون قد مهّد الطريق للمعتزلة لكي يتبنّوا هذه النظرية فيما بعد۵. وممّن ذهب إلى هذه النظرية من متكلّمي الإمامية المعاصرين للأئمّة علیهم السّلام: عبيد بن زرارة، ومحمّد بن حكيم، وعبد الله بن بكير، وهشام بن سالم، ومؤمن الطاق۶.

وممّن تبنّى نظريةً في هذا المجال هشامُ بن الحكم، حيث ذهب إلى أنّ

1.. العلّامة الحلّي، كشف المراد، ص۳۵۴.

2.. صدر المتألهين الشيرازي، الحكمة المتعالية، ج۱، ص۱۱۲ - ۱۱۳؛ دائرة المعارف بزرگ إسلامى (بالفارسية)، ج۸، ص۱۹۲ - ۱۹۳.

3.. الطوسي، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي)، ج۱، ص۳۵۹ - ۳۶۰.

4.. الأشعري، مقالات الإسلاميين، ص۴۳.

5.. فان أس، علم الكلام والمجتمع، ج۱، ص۴۵۵.


الشريف المرتضى و المعتزلة
178

يحسن أن يُفعل. ذهب إلى هذا أبو عبد الله البصري، ووافقه عليه تلميذه القاضي عبد الجبّار۱. لكن ذهب أبو هاشم إلى أنّه يحسن تكليفه، رغم قبح لطفه، فيكون بمنزلة من لا لطف له۲.

وقد مال المرتضى إلى رأي البصري أيضاً، تاركاً ما ذهب إليه أبو هاشم۳.

ومن ذلك أيضاً، ذهب أبو هاشم إلى أنّه تعالى إذا لم يلطف بالعبد، لم يحسن منه أن يعاقبه، ولا حتّى أن يذمّه على فعل القبيح، وإنْ حسن من غيره تعالى (باقي الناس) أن يذمّه على ذلك. ودليل ذلك هو أنّه بمنع اللّطف سيكون الله تعالى هو السبب الحقيقي لوقوع العبد في المعصية، فلا يحسن أن يعاقبه، أو أن يذمّه على فعل القبيح۴. وبذلك يكون المكلَّف تعالى كأنّه سلب حق نفسه في العقاب۵.

وقد وافقه البصري في القسم الأوّل من كلامه وخالفه في الثاني، فوافقه في عدم حسن عقابه، لكنّه خالفه في عدم حسن ذمّه، فقال: إنّه لا يحسن عقابه، لكن يحسن ذمّه من قِبَل الله تعالى؛ وذلك لأنّ سبب استحقاقه الذمّ سبب عامّ، وهو فِعل القبيح، فكلّ من فعل القبيح استحقّ الذمّ، وهذا سبب عامّ يشمل الله تعالى وباقي الناس، ولا يختصّ بذامًّ دون آخر. وقد وافقه على ذلك القاضي عبد الجبّار۶.

ولم يختلف موقف المرتضى عن مواقفه السابقة في متابعة رأي البصري، فقد ذهب أيضاً إلى قبح عقاب العاصي الذي لم يُلطف به، وحُسن ذمّه من قِبَل الله تعالى۷. وبذلك يكون المرتضى قد تابع المعتزلة في أصل فكرة اللّطف التي أبدعها المعتزلة أنفسهم، واستثمرها لصالح فكرة الإمامة، وأمّا تفاصيل اللّطف فقد مال فيها

1.. المصدر السابق، ص۶۷ - ۶۸.

2.. المصدر السابق.

3.. المرتضی، الذخيرة، ص۱۹۵ - ۱۹۶.

4.. القاضي عبد الجبّار، المغني (اللّطف)، ج۱۳، ص۷۴.

5.. المرتضی، الذخيرة، ص۱۹۶.

6.. القاضي عبد الجبّار، المغني (اللّطف)، ج۱۳، ص۷۴ - ۷۵.

7.. المرتضی، الذخيرة، ص۱۹۶ - ۱۹۷.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1064
صفحه از 275
پرینت  ارسال به