175
الشريف المرتضى و المعتزلة

وهذا يعني أنّ النظرية كانت موجودة في مدرسة أهل البيت علیهم السّلاموكتب الإمامية الحديثية، فتكون هي الأَولى في اعتبارها مصدراً لفكر المرتضى الذي قام باستعارة دليلها العقلي من المعتزلة لإثباتها، لا أنّه تأثّر في أصل النظرية بهم.

۵. اللّطف

قام المعتزلة بإبداع مجموعة من الأبحاث والمسائل الكلامية، ووظّفوها في خدمة العقائد الكلامية، ومن تلك الأبحاث التي أبدعوها بحث «اللّطف»، فقد تمكّنوا من توظيف فكرة اللّطف لتبرير وجوب معرفة الله تعالى، ووجوب النبوّة، وغير ذلك۱.

إذن إنّ فكرة اللّطف رغم كونها ناظرة إلى بعض أفعال الله تعالى، وأنّ تلك الأفعال قد تجب باعتبارها لطفاً، لكن لم تعتبر هذه الفكرة من الصفات الفعلية كالكلام وغيره، وإنّما طغى عليها الطابع الوظيفي الآلي التبريري لمجموعة من العقائد.

وقد استعار متكلّمو الإمامية هذه الفكرة الآلية ووظّفوها لخدمة أهمّ عقائدهم المختصّة بهم وهي عقيدة الإمامة، فقد جعلوا أحد أدلّتهم على وجوب الإمامة هو اللّطف۲. وهم بهذا العمل قاموا بإضافة زخم جديد ودفعة قوية لعقيدة الإمامة، وذلك من خلال طرحها والاستدلال عليها بلغة الخصم التي يفهمها جيّداً.

ثم إنّ فكرة وجوب اللّطف تبتني بصورة رئيسية على فكرتي الحسن والقبح العقليين وفكرة التكليف، أي ينبغي قبل البحث في وجوب اللّطف أن نبحث عن مسألتين:

الأولى: أنّ العقل يدرك الحسن والقبح من دون حاجة إلى توجيهات الشرع وإرشاداته، فيحكم بوجوب فعل الحسن وترك القبيح، وبالتالي يتمكّن من الحكم بوجوب اللّطف على الله تعالى؛ لأنّه حسن.

الثانية: التكليف: لقد ربط المعتزلة فكرة اللّطف بالتكليف، حتّى أدخلوا التكليف نوعاً مّا في تعريف اللّطف، فقالوا: «اللّطف هو ما يدعو إلى فعل الطاعة على وجه

1.. القاضي عبد الجبّار، المغني (اللّطف)، ج۱۳، ص۴.

2.. المرتضی، الذخيرة، ص۴۱۰.


الشريف المرتضى و المعتزلة
174

المصحف، أو أن نكلّف الأمّي بالكتابة، وذلك لأنّ كلّ هذا تكليف بما لا يطاق، فإذا كان هذا قبيحاً منّا فيكون قبيحاً أيضاً من الله تعالى؛ لأنّ جهة القبح إن كانت متحقّقة - وهي كون الفعل المأمور به متعذّراً على المكلّف - في فعله تعالى، فلابدّ أن يصبح قبيحاً۱.

وقد آمن المرتضى أيضاً بقبح تكليف ما لا يطاق، واستدلّ عليه عقلياً بالدليل السابق تماماً كما فعل المعتزلة، لكن هل هذا يعني أنّه تابَعَ المعتزلة في تبنّي هذه النظرية؟

في الحقيقة هناك مصادر أخرى من الممكن أن يكون المرتضى قد استقى هذه النظرية منها، ثم قام بدعمها وتقويمها من خلال استعارة الدليل العقلي المتقدّم من المعتزلة؛ فإنّ أحاديث أهل البيت علیهم السّلام دلّت بما لا يدع مجالاً للشكّ على تبنّي أئمّة أهل البيت علیهم السّلام لنظرية عدم التكليف بما لا يطاق.

فمن ذلك رواية حمزة بن حمران، قال: سألت أبا عبد الله علیه السّلام عن الاستطاعة، فلم يجبني، فدخلتُ عليه دخلة أخرى، فقلت: أصلحك اللّٰه، إنّه قد وقع في قلبي منها شيء لا يخرجه إلّا شيء أسمعه منك، قال: «فإنّه لا يضرّك ما كان في قلبك». قلت: أصلحك اللّٰه، إنّي أقول: إنّ الله تبارك وتعالى لم يكلّف العباد ما لا يستطيعون، ولم يكلّفهم إلّا ما يطيقون، وإنّهم لا يصنعون شيئاً من ذلك إلّا بإرادة الله ومشيئته وقضائه وقدره. قال: فقال: «هذا دين الله الذي أنا عليه وآبائي»، أو كما قال۲. ففي هذه الرواية صرّح الراوي بعدم التكليف بما لا يطاق، وقد أقرّه الإمام على ذلك.

كما روى المرتضى في أماليه كلام أمير المؤمنين علیه السّلام المتقدّم عند عودته من صفّين، حيث جاء في ضمن كلامه وهو يصف الله تعالى: «إنّ الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلّف يسيراً...ولم يكلّف عسيراً»۳. والمقطع الأخير يدلّ على عدم التكليف بما لا يطاق، فهو عسير.

1.. المصدر السابق، ص۱۰۰ - ۱۰۱.

2.. الكليني، الكافي، ج۱، ص۱۲۴.

3.. المرتضى، الأمالي، ج۱، ص۱۶۵.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1080
صفحه از 275
پرینت  ارسال به