وهذا يعني أنّ النظرية كانت موجودة في مدرسة أهل البيت علیهم السّلاموكتب الإمامية الحديثية، فتكون هي الأَولى في اعتبارها مصدراً لفكر المرتضى الذي قام باستعارة دليلها العقلي من المعتزلة لإثباتها، لا أنّه تأثّر في أصل النظرية بهم.
۵. اللّطف
قام المعتزلة بإبداع مجموعة من الأبحاث والمسائل الكلامية، ووظّفوها في خدمة العقائد الكلامية، ومن تلك الأبحاث التي أبدعوها بحث «اللّطف»، فقد تمكّنوا من توظيف فكرة اللّطف لتبرير وجوب معرفة الله تعالى، ووجوب النبوّة، وغير ذلك۱.
إذن إنّ فكرة اللّطف رغم كونها ناظرة إلى بعض أفعال الله تعالى، وأنّ تلك الأفعال قد تجب باعتبارها لطفاً، لكن لم تعتبر هذه الفكرة من الصفات الفعلية كالكلام وغيره، وإنّما طغى عليها الطابع الوظيفي الآلي التبريري لمجموعة من العقائد.
وقد استعار متكلّمو الإمامية هذه الفكرة الآلية ووظّفوها لخدمة أهمّ عقائدهم المختصّة بهم وهي عقيدة الإمامة، فقد جعلوا أحد أدلّتهم على وجوب الإمامة هو اللّطف۲. وهم بهذا العمل قاموا بإضافة زخم جديد ودفعة قوية لعقيدة الإمامة، وذلك من خلال طرحها والاستدلال عليها بلغة الخصم التي يفهمها جيّداً.
ثم إنّ فكرة وجوب اللّطف تبتني بصورة رئيسية على فكرتي الحسن والقبح العقليين وفكرة التكليف، أي ينبغي قبل البحث في وجوب اللّطف أن نبحث عن مسألتين:
الأولى: أنّ العقل يدرك الحسن والقبح من دون حاجة إلى توجيهات الشرع وإرشاداته، فيحكم بوجوب فعل الحسن وترك القبيح، وبالتالي يتمكّن من الحكم بوجوب اللّطف على الله تعالى؛ لأنّه حسن.
الثانية: التكليف: لقد ربط المعتزلة فكرة اللّطف بالتكليف، حتّى أدخلوا التكليف نوعاً مّا في تعريف اللّطف، فقالوا: «اللّطف هو ما يدعو إلى فعل الطاعة على وجه