وإيصاله إلى المولى، ولم يفعل الغلام ذلك، فإنّه يحسن من المولى أن يذمّه مع أنّه لا يحسن الذمّ على ترك ما لا يقدر عليه، وهذا يعني أنّ القدرة باقية۱.
وناقشهم المرتضى أيضاً بأنّه من الممكن أن يقال: إنّ القدرة التي في الغلام وهو واقف في مكانه هي قدرة على المناولة، وإن تعذرت عليه المناولة مع بُعد المسافة، أو عدوله عن قطعها۲.
وبذلك فقد وقف المرتضى في وجه المعتزلة بشقّيها من البغداديين والبصريين من دون أن يتابع أيّ فريق منهم، وتوقّف في المسألة من دون أن يتبنّى رأياً محدّداً فيها، وهو يدلّ على احتراف نادر، فإنّه لا يجب على العالِم أن يُبدي رأيه في كلّ مسألة، بل يمكنه أن يتوقّف أحياناً، ويقول: «لا أدري».
أضِف إلى ذلك، فإنّ ما تقدّم يدلّ على أنّ المرتضى كان يقف أمام المسائل الجديدة، والتي ليست لها جذور واضحة في تراث أهل البيت علیهم السّلام موقفَ العالِم المجتهد، فيدرس جميع الأدلّة ويقيّمها، فيقبلها أو يرفضها، ولم يكن مقلّداً لأحدٍ في ذلك.
۴. التكليف بما لا يطاق
من المسائل المهمّة المتعلّقة بالعدل والتي دار الكلام فيها بين المتكلّمين مسألة التكليف بما لا يطاق، وهل هو قبيح أو جائز؟ والمقصود بما لا يطاق هو ما يتعذّر وجوده، أي الأمر المستحيل، سواء كان سبب ذلك هو عدم القدرة، أو وجود عجز، أو زمانة، أو فقدان إحدی الجوارح، أو فقدان علمٍ يُحتاج إليه في العمل بالتكليف۳.
وقد آمن كلٌّ من الإمامية والمعتزلة بقبح التكليف بما لا يطاق. والدليل العقلي على ذلك هو الاستدلال بالشاهد على الغائب، فإنّه يقبح منّا أن نكلّف الجماد، أو الميّت، أو المريض المُقعَد بالحركة، كما يقبح أن نكلّف الأعمى بوضع نقاط على