171
الشريف المرتضى و المعتزلة

وهو القتل. وحينئذ طرح سؤال بين المتكلّمين وهو: هل الإنسان هو الفاعل للأفعال غير المباشرة المسمّاة: «الأفعال المتولّدة»، وهل هو المسؤول عنها؟ بمعنى أنّه هل يمكن أن يقال في المثال المتقدّم: إنّ ذلك الشخص الذي أطلق السهم هو القاتل؟

أجاب المتكلّمون المعتزلة - الذين أبدعوا هذا البحث نتيجة تدقيقاتهم - بالإيجاب، واستدلّوا بأدلّة منها نفسُ الدليل المتقدّم على الاختيار وعلى مسؤولية الإنسان عن أفعاله المباشرة، وهو دليلُ توجُّهِ المدح والذمّ، فإذا فعل الإنسان أفعالاً متولّدة «غير مباشرة» حسنة فإنّه يُمدح ويُحمد عليها، وإذا فعل أفعالاً متولّدة سيّئة فإنّه يُذمّ ويوبَّخ عليها، وهذا يدلّ على أنّه هو الفاعل لها، والمسؤول عنها۱.

وقد آمن المرتضى أيضاً بمسؤولية الإنسان عن أفعاله المتولّدة، واستدلّ عليها بأدلّة منها الدليل الأخير، أي دليلُ توجُّهِ المدح والذمّ ۲. وقد تقدّم أنّ هذا الدليل موجود في تراث أهل البيت علیهم السّلام، فمن الممكن أن يقال: إنّ المعتزلة نبّهوا المرتضى على إمكانية الاستدلال بهذا الدليل الموجود أساساً في تراث أهل البيت علیهم السّلام على مسألة جديدة ومستحدثة كمسألة التوليد. فدور المعتزلة كحدًّ أقصى هنا هو دور المنبَّه لا دور المؤثّر، إلّا أن يسمّى التنبيهُ تأثيراً.

۳. بقاء القدرة

انقسم المعتزلة على أنفسهم حول مسألة بقاء القدرة بعد حدوثها إلى قسمين، فقد آمن أبو القاسم البلخي - رأس معتزلة بغداد - بأنّ القدرة لا تبقى، وأنّها تحدث ثم تفنى بعد ذلك مباشرة، بينما أصرّ أكثر معتزلة البصرة مثل أبي الهذيل، وهشام الفُوَطي، وعبّاد، وجعفر بن حرب، وجعفر بن مبشّر، والإسكافي۳، إضافة إلى الجبّائيَّين ومن تبعهما على بقاء القدرة۴.

1.. القاضي عبد الجبّار، المغني (التوليد)، ج۹، ص۱۶ - ۱۷.

2.. المرتضی، الذخيرة، ص۷۳.

3.. الأشعري، مقالات الإسلاميين، ص۲۳۰.

4.. النيسابوري، المسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين، ص۲۵۷.


الشريف المرتضى و المعتزلة
170

انتساب الأفعال المتولّدة إلى الإنسان۱، كما استدلّ به لإثبات أنّ حقيقة الإنسان عبارة عن هذا الجسم المادّي المُشاهَد۲، واستدلّ بنفس الدليل أيضاً لإثبات أنّ معارف الإنسان ومنها معرفة الله تعالى اكتسابية لا ضرورية، ولذلك يُمدح على تحصيلها ويُذمّ على تركها وتضييعها۳.

ثم إنّ هذا الدليل - أي دليل توجُّه المدح والذمّ - وإن كان موجوداً في كتب المعتزلة، إلّا أنّه موجود قبل ذلك في كلام أئمّة أهل البيت علیهم السّلام، كما دلّت على ذلك الرواية المرويّة عن أمير المؤمنين علیه السّلام عند عودته من صفّين - والتي تقدّمت عند بحث: «قدرة الإنسان على تحصيل المعرفة بالله تعالى» -، كما أنّ الرواية المتقدّمة قبل قليل عن الإمام الكاظم علیه السّلام تدلّ على ذلك.

نستفيد من كلّ ما تقدّم أنّ المرتضى لم يكن متأثّراً بالمعتزلة لا في أصل فكرة اختيار الإنسان، ولا في بعض الاستدلالات التي أقامها على ذلك؛ باعتبار أنّ كلّ ذلك كان موجوداً في تراث الإمامية المنقول عن أئمّة أهل البيت علیهم السّلام، فاعتبارُهم مصدر فكر المرتضى أولى من اعتباره متأثّراً بالمعتزلة، فإنّ انتماء المرتضى إلى الأئمّة علیهم السّلاموالإمامية أقوى وأشدّ، فهو ينتمي إلى هذه المدرسة وهذا الفكر، وقد تربّى وترعرع في ظلالهما.

۲. التوليد

يمارس الإنسان نوعين من الأعمال أو الفعّاليات: مباشرة وغير مباشرة، فالمباشرة مثل الأكل والشرب والمشي والكلام، وهي التي يُبحث عنها في بحث اختيار الإنسان وحرّيته كما تقدّم، فيُقال: هل هو الفاعل لهذه الأفعال، وهل هو المسؤول عنها؟

أما الأفعال غير المباشرة فمثل قتل شخصٍ بسبب سهمٍ يرميه باتّجاهه شخصٌ آخر، فإنّ القاتل قام في هذه الحالة بعملَين: الأوّل مباشر وهو إطلاق السهم، والآخر غير مباشر

1.. المرتضی، الذخيرة، ص۷۳.

2.. المصدر السابق، ص۱۱۴.

3.. المصدر السابق، ص۱۶۶.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 997
صفحه از 275
پرینت  ارسال به