انتساب الأفعال المتولّدة إلى الإنسان۱، كما استدلّ به لإثبات أنّ حقيقة الإنسان عبارة عن هذا الجسم المادّي المُشاهَد۲، واستدلّ بنفس الدليل أيضاً لإثبات أنّ معارف الإنسان ومنها معرفة الله تعالى اكتسابية لا ضرورية، ولذلك يُمدح على تحصيلها ويُذمّ على تركها وتضييعها۳.
ثم إنّ هذا الدليل - أي دليل توجُّه المدح والذمّ - وإن كان موجوداً في كتب المعتزلة، إلّا أنّه موجود قبل ذلك في كلام أئمّة أهل البيت علیهم السّلام، كما دلّت على ذلك الرواية المرويّة عن أمير المؤمنين علیه السّلام عند عودته من صفّين - والتي تقدّمت عند بحث: «قدرة الإنسان على تحصيل المعرفة بالله تعالى» -، كما أنّ الرواية المتقدّمة قبل قليل عن الإمام الكاظم علیه السّلام تدلّ على ذلك.
نستفيد من كلّ ما تقدّم أنّ المرتضى لم يكن متأثّراً بالمعتزلة لا في أصل فكرة اختيار الإنسان، ولا في بعض الاستدلالات التي أقامها على ذلك؛ باعتبار أنّ كلّ ذلك كان موجوداً في تراث الإمامية المنقول عن أئمّة أهل البيت علیهم السّلام، فاعتبارُهم مصدر فكر المرتضى أولى من اعتباره متأثّراً بالمعتزلة، فإنّ انتماء المرتضى إلى الأئمّة علیهم السّلاموالإمامية أقوى وأشدّ، فهو ينتمي إلى هذه المدرسة وهذا الفكر، وقد تربّى وترعرع في ظلالهما.
۲. التوليد
يمارس الإنسان نوعين من الأعمال أو الفعّاليات: مباشرة وغير مباشرة، فالمباشرة مثل الأكل والشرب والمشي والكلام، وهي التي يُبحث عنها في بحث اختيار الإنسان وحرّيته كما تقدّم، فيُقال: هل هو الفاعل لهذه الأفعال، وهل هو المسؤول عنها؟
أما الأفعال غير المباشرة فمثل قتل شخصٍ بسبب سهمٍ يرميه باتّجاهه شخصٌ آخر، فإنّ القاتل قام في هذه الحالة بعملَين: الأوّل مباشر وهو إطلاق السهم، والآخر غير مباشر