فداك، ممّن المعصية؟ فنظر إليَّ، ثم قال: «اجلس حتى أخبرك». فجلست، فقال: «إنّ المعصية لابدّ أن تكون من العبد، أو من ربّه، أو منهما جميعاً، فإن كانت من الله فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده، ويأخذه بما لم يفعله.
وإن كانت منهما فهو شريكه، والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف.
وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر، وإليه توجّه النهي، ولحقه العقاب والثواب، ووجبت الجنة والنار».
قال: فلمّا سمعت ذلك قلت: ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم۱.
كما تقدّمت عبارة المرتضى حول أنّ أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين وأولاده الأئمّة علیهم السّلام.
أضف إلى ذلك أنّ الشيخ المفيد رفض نسبة الجبر إلى الإمامية، وقال: «ما دان أحدٌ من أصحابنا قطّ بالجبر، إلّا أن يكون عامّياً لا يَعرف تأويل الأخبار، أو شاذّاً عن جماعة الفقهاء والنُظّار»۲. وبذلك لا يمكن تقبُّل دعوى انحصار القول بالعدل بالمعتزلة، إلّا أن يقال إنّ أئمّة الشيعة علیهم السّلام كانوا معتزلة!!! وهو أمر مرفوض رفضاً باتّاً.
وقد آمن الشريف المرتضى كسائر الإمامية باختيار الإنسان، وأنّه فاعل لأفعاله الاختيارية، واستدلّ على ذلك بعدّة أدلّة، من أهمّها دليل توجّه المدح والذمّ، فباعتبار أنّ الإنسان عند فعله للأفعال الحسنة يوجَّه إليه لا لغيره المدح، وعند ارتكابه الأفعال السيّئة يوجَّه إليه لا لغيره أيضا الذمّ، ويوبَّخ على فعله، فهذا يدلّ على أنّ الإنسان هو الفاعل لتلك الأفعال، وهو الذي اختار أن يفعلها۳.
ويعتبر هذا الدليل سيّالاً ومتعدّد الاستعمالات، فقد استدلّ به المرتضى لإثبات