المبحث الثاني:
العدل الإلهي
۱. اختيار الإنسان وحرّيته
يعتبر العدل من أهمّ الأبحاث الكلامية وأكثرها نزاعاً، وإنّ حقيقة العدل الذي بحث عنه المتكلّمون وطالَ نزاعهم حوله، تعني بالدرجة الأولى البحث عن الاختيار والحرّية الإنسانية، ولذلك انقسموا نتيجة هذا النزاع إلى عدلية وجبرية؛ لأنّ المقصود بالعدل هو الاختيار، وبهذا صار الجبر في مقابل العدل. إنّ ارتباط اختيار الإنسان مع العدل الإلهي يرجع إلى أنّه لو قلنا: إنّ الله تعالى يجبر الإنسان على المعاصي، فسوف يكون عقابه منافياً للعدل، ولذلك صار القول بالاختيار مساوياً للقول بالعدل، وصاروا يعبّرون عمن يقول بالاختيار بأنّه عدلي، قال أمير المؤمنين علیه السّلام: «التوحيد أن لا تتوهّمه، والعدل أن لا تتّهمه»۱، أي أنّ العدل معناه أن لا تتّهم الله تعالى بأنّه يجبر العباد على المعاصي، ثم يعاقبهم عليها، فإنّها تهمة هو بريء منها.
وقد آمن المعتزلة منذ نشأتهم بالعدل، ودافعوا عنه بكلّ ما أوتوا من قوّة، حتى أخذوا يتبجّحون بالعدل ويفاخرون به، ويسمّون أنفسهم: «أهل التوحيد والعدل»، و«العدلية»، ويرمون كلّ من خالفهم بالجبر، ومخالفة العدل۲.