163
الشريف المرتضى و المعتزلة

وَيلَك، لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان»۱.

وروى أحمد بن إسحاق، قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث علیه السّلام أسأله عن الرؤية، وما فيه الناس، فكتب عليه السلام: «لا يجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر، فإذا انقطع الهواء وعدم الضياء بين الرائي والمرئي، لم تصحّ الرؤية، وكان في ذلك الاشتباه؛ لأنّ الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية، وجب الاشتباه، وكان في ذلك التشبيه؛ لأنّ الأسباب لابدّ من اتّصالها بالمسبّبات»۲.

وقال الشيخ المفيد: «لا يصحّ رؤية الباري سبحانه بالأبصار، وبذلك شهد العقل، ونطق القرآن، وتواتر الخبر عن أئمّة الهدى من آل محمّد صلی الله علیه و آله»۳.

كما نسب المرتضى نفيَ الرؤية إلى الإمامية، وعبّر عنهم بكلمة: «أصحابنا»۴.

ولم يخرج المرتضى عن جماعة الإمامية، فنفى الرؤية حاله حالهم، وكان تابعاً في ذلك للدليل العقلي، والقرآني، والأخبار المتواترة التي أشار إليها الشيخ المفيد في عبارته المتقدّمة آنفاً. وبذلك لا يكون هناك مبرَّر لاعتباره متأثّراً في هذه المسألة بالمعتزلة، بل كانت لديه أدلّته القطعية والعلمية المستقلّة، وهي التي دعته للإيمان بنفي الرؤية۵.

۱۰. الكلام

لم يختلف المسلمون حول أصل كلام الله تعالى، لكن اختلفوا حول حقيقة الكلام، فذهب المعتزلة إلى أنّه صفة فعل حادثة، وأنّ المتكلّم هو فاعل الكلام۶. بينما

1.. الصدوق، التوحيد، ص۱۰۹.

2.. المصدر السابق.

3.. المفید، أوائل المقالات، ص۵۷.

4.. المرتضى، الأمالي، ج۱، ص۱۶.

5.. المصدر السابق، ص۱۶، ۲۸.

6.. مانکدیم، شرح الأصول الخمسة، ص۳۶۳.


الشريف المرتضى و المعتزلة
162

أمير المؤمنين علیه السّلام۱، الذي يُعدّ أساس الإمامية، والذي منه يصدرون، وإليه يفيؤون.

أمّا بالنسبة للمرتضى فهو لم يخرج من إطار الإمامية، حيث نفى التشبيه والتجسيم۲، وبذلك لا يمكن عدُّه تابعاً للمعتزلة في هذه المسألة.

۹. نفي الرؤية

دار نزاع قديم بين المتكلّمين حول رؤية الله تعالى بالعين، فذهب بعضهم إلى إمكانها ووقوعها يوم القيامة، وهم المشبّهة والأشاعرة، بينما ذهب أهل العدل إلى استحالتها۳.

وليس هناك بحث مع المشبّهة والمجسّمة في هذه المسألة؛ لأنه لو ثبت التجسيم لثبت إمكان الرؤية بكلّ تأكيد، فالكلام مع المجسّمة يدور حول أصل إثبات الجسمية لله تعالى وعدمه، لكن البحث إنّما يتعلّق بمن يَنفي الجسمية، وفي نفس الوقت يُثبت الرؤية!!۴

وينقسم البحث حول موضوع نفي الرؤية إلى قسمين رئيسيين:

الأوّل: الاستدلال لإثبات استحالة رؤية الله تعالى بالأبصار، وهو يشكّل الحجم الأكبر من البحث في هذه المسألة۵.

الثاني: إثبات أنّه تعالى غير مرئي في نفسه، فإنّه قد يقال: إذا ثبت أنّه لا يُدرَك بالأبصار، لكن يبقى هذا الاحتمال وهو أنّه قد يكون في نفسه قابلاً للإدراك۶.

أمّا بالنسبة لتاريخ المسألة عند الإمامية، فتاريخها واضح، فإنّ هناك العديد من الروايات التي تنصّ على نفي نسبة الرؤية لله تعالى، منها ما روي عن الإمام جعفر الصادق علیه السّلام أنّه قال: «جاء حبر إلى أمير المؤمنين علیه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين، هل رأيتَ ربّك حين عبدتَه؟ فقال: وَيلَك، ما كنتُ أعبدُ ربّاً لم أره. قال: وكيف رأيتَه؟ قال:

1.. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج۱، ص۱۷؛ ابن المرتضى، طبقات المعتزلة، ص۷.

2.. المرتضی، الملخّص، ص۲۰۱.

3.. العلّامة الحلّي،كشف المراد، ص۲۹۶-۲۹۷.

4.. القاضي عبد الجبّار، المغني (رؤية الباري)، ج۴، ص۱۴۰؛ المرتضی، الملخّص، ص۲۲۷.

5.. المرتضی، الملخّص، ص۲۲۷.

6.. المصدر السابق، ص۲۵۰.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 985
صفحه از 275
پرینت  ارسال به